وقال الزمخشري : وهو (١) غريب (٢). قال شهاب الدين : ولا غرابة فإن فعلى بضم الفاء كثير مجيئها في أوصاف المؤنثة نحو الرّبّى (٣) والحبلى. وجوّز أبو البقاء فيه أن يكون محذوفا من سكارى (٤) وكان من حق هذا القارىء أن يحرك الكاف بالفتح إبقاء لها على ما كانت عليه وقد رواها بعضهم كذلك عن الحسن (٥). وقرىء «ويرى الناس» بالياء من تحت ، ورفع «النّاس» (٦).
وقرأ أبو زرعة في رواية «سكرى» بالفتح (وَما هُمْ بِسُكارى) بالضم (٧). وعن ابن جبير كذلك إلا أنه حذف الألف من الأول دون الثاني (٨). وإثبات السكر وعدمه بمعنى الحقيقة والمجاز ، أي: (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى)(٩) على التشبيه (وَما هُمْ بِسُكارى)(٩) على التحقيق (١٠). قال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل أولا : ترون ، ثم قيل : ترى على الإفراد؟ قلت : لأن الرؤية أولا علقت بالزلزلة ، فجعل الناس جميعا رائين لها ، وهي معلقة أخيرا بكون الناس على حال السكر ، فلا بد أن يجعل كل واحد منهم رائيا لسائرهم (١١).
فصل
روي أن هاتين (١٢) الآيتين نزلتا بالليل (١٣) في غزوة بني المصطلق ، والناس يسيرون ، فنادى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فاجتمعوا حوله ، فقرأهما عليهم ، فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة ، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج على (١٤) الدواب ولم يضربوا الخيام (١٥) ولم يطبخوا القدور ، والناس بين باك وجالس حزين متفكر. فقال عليهالسلام (١٦) : «أتدرون أيّ ذلك اليوم»؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : «ذلك يوم يقول الله تعالى لآدم : قم فابعث بعث النّار (١٧) من ولدك ، فيقول آدم : وما بعث النّار؟ فيقول الله تعالى من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النّار وواحد إلى الجنّة ، فعند ذلك يشيب الصّغير ،
__________________
(١) في الأصل : هو.
(٢) الكشاف ٣ / ٢٥.
(٣) الربّى على فعلى بالضم : الشاة التي وضعت حديثا. وقيل : الرّبى : الحاجة ، العقدة المحكمة ، النعمة والإحسان ، اللسان (ربب).
(٤) التبيان ٢ / ٩٣٢.
(٥) الدر المصون ٥ / ٣٦ ـ ٦٤.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٣١.
(٧) البحر المحيط ٦ / ٣٥٠.
(٨) المرجع السابق.
(٩) في الأصل : سكرى.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٢٤.
(١١) المرجع السابق.
(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٤.
(١٣) في ب : في الليل.
(١٤) في ب : عن.
(١٥) في ب : القيام. وهو تحريف.
(١٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٧) في الأصل : الناس. وهو تحريف.