والباقون قرأوه مبنيا للفاعل (١). قال الفراء والزجاج : يعني أذن الله للذين يحرصون على قتال المشركين في المستقبل (٢). وأما «يقاتلون» فقرأه مبنيا للمفعول نافع وابن عامر وحفص ، والباقون مبنيا للفاعل (٣). وحصل من مجموع الفعلين أن نافعا وحفصا بنياهما (٤) للمفعول. وأن ابن كثير وحمزة والكسائي بنوهما للفاعل ، (وأن أبا عمرو) (٥) وأبا بكر بنيا الأول للمفعول والثاني للفاعل ، وأن ابن عامر عكس هذا. فهذه أربع رتب والمأذون فيه محذوف للعلم به أي للذين يقاتلون في القتال (٦). و (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) متعلق ب «أذن» ، والباء سببية ، أي بسبب أنهم مظلومون.
فصل (٧)
قال المفسرون (٨) : كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلا يزالون يجيئون بين مضروب ومشجوج يشكون ذلك إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيقول لهم : «اصبروا فإني لم أومر بالقتال» حتى هاجر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال ، ونزلت هذه الآية بالمدينة. وقال مقاتل (٩) : نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة ، فكانوا يمنعون ، فأذن الله لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) أي بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء (١٠). (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وهذا وعد منه تعالى بنصرهم ، كما يقول المرء لغيره : إن أطعتني فأنا قادر على مجازاتك ، لا يعني بذلك القدرة بل يريد أنه سيفعل ذلك(١١).
قوله : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) يجوز أن يكون «الذين» في محل جر نعتا للموصول الأول (١٢) ، أو بيانا له ، أو بدلا منه وأن يكون في محل نصب على المدح ، وأن يكون في محل رفع على إضمار مبتدأ (١٣).
__________________
(١) فعلى قراءة البناء للمفعول القائم مقام الفاعل «للذين» ، والله هو الفاعل. ومن قرأ بالبناء للفاعل فعلى أنهم بنوا الفعل للفاعل المتقدم الذكر ، وهو الله جل ذكره.
السبعة (٤٣٧) الكشف ٢ / ١٢٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٣ ، النشر ٢ / ٣٢٦ ، الإتحاف (٣١٥).
(٢) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٢٧ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٣٠. بتصرف يسير.
والنص بلفظه من الفخر الرازي ٢٣ / ٤٠.
(٣) السبعة (٤٣٧) ، الكشف ٢ / ١٢١ ، النشر ٢ / ٣٢٦ ، الإتحاف (٣١٥).
(٤) في ب : بناهما.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٧٣.
(٧) فصل : سقط من الأصل.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٩٢ ـ ٥٩٣.
(٩) في النسختين : مجاهد.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٩٢ ـ ٥٩٣.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٠.
(١٢) من قوله تعالى : «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا» من الآية السابقة واقتصر ابن الأنباري على هذا الوجه. البيان ٢ / ١٧٦.
(١٣) انظر هذه الأوجه في التبيان ٢ / ٩٤٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٤ ، إلا أن أبا البقاء وأبا حيان لم يذكرا في وجر الجر البيان.