فصل
لما بين أنهم إنما أذنوا في القتال لأجل أنهم ظلموا ، فسر ذلك الظلم بقوله (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) ، فبين تعالى ظلمهم لهم بهذين الوجهين :
الأول : أنهم أخرجوا من ديارهم.
والثاني : أخرجوهم بسبب قولهم : (رَبُّنَا اللهُ). وكل واحد من الوجهين عظيم في الظلم (١).
قوله : (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا). فيه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على الاستثناء المنقطع (٢) ، وهذا مما يجمع العرب على نصبه ، لأنه منقطع لا يمكن توجه العامل إليه ، وما كان كذا أجمعوا على نصبه نحو : ما زاد إلا ما نقص ، وما نفع إلا ما ضر. فلو توجه العامل جاز فيه لغتان : النصب وهو لغة الحجاز ، وأن يكون كالمتصل في النصب والبدل (٣) نحو ما فيها أحد إلا حمار (٤). وإنما كانت الآية الكريمة من الذي لا يتوجه عليه العامل (٥) ، لأنك لو قلت : الذين أخرجوا من ديارهم إلا أن يقولوا ربنا الله لم يصح (٦).
الثاني : أنه في محل جر بدلا من «حقّ».
قال الزمخشري : أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير ، ومثله (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ)(٧)(٨) انتهى.
وممن جعله في موضع جر بدلا مما قبله الزجاج (٩). إلا أن أبا حيان رد ذلك فقال : ما أجازاه من البدل لا يجوز ، لأن البدل لا يجوز إلا (١٠) حيث سبقه نفي أو نهي
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٠.
(٢) وهو الراجح. تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، البيان ٢ / ١٧٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٤.
(٣) وهو لغة تميم.
(٤) انظر هذه القضية في البحر المحيط ٦ / ٣٧٤ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٨ ـ ٣٥٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ١٤١ ـ ١٤٨.
(٥) العامل : سقط من ب.
(٦) البحر المحيط ٦ / ٣٧٤.
(٧) من قوله تعالى : «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ» [المائدة : ٥٩].
(٨) الكشاف ٣ / ٢٤.
(٩) فإنه قال :(«أن» في موضع جر ، المعنى أخرجوا بلاحق إلا بقولهم : ربنا الله أي لم يخرجوا إلا بأن وحدوا الله ، فأخرجتهم عبدة الأوثان لتوحيدهم) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٣٠.
(١٠) في ب : إلا من.