قوله : (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ) يجوز أن يكون صفة للمواضع المتقدمة كلها إن أعدنا الضمير من «فيها» عليها (١). قال الكلبي ومقاتل : يعود إلى الكل لأن الله تعالى يذكر في هذه المواضع كلها(٢). ويجوز أن يكون صفة للمساجد فقط إن خصصنا الضمير في «فيها» بها (٣) تشريفا لها (٤). ثم قال (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) أي : ينصر دينه ونبيه (٥).
وقيل : يتلقى الجهاد بالقبول نصرة لدين الله. (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ)(٦) أي : على هذه النصرة التي وعدها (٧) المؤمنين. «عزيز» وهو الذي لا يضام ولا يمنع مما يريده (٨).
قوله : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ) يجوز في هذا الموصول ما جاز في الموصول قبله (٩) ويزيد هذا عليه بأنه يجوز أن يكون بدلا من (مَنْ يَنْصُرُهُ) ذكره الزجاج (١٠) أي : ولينصرن الله الذين إن مكناهم ، و (إِنْ مَكَّنَّاهُمْ) شرط و «أقاموا» جوابه ، والجملة الشرطية بأسرها صلة الموصول (١١).
فصل
لما ذكر الذين أذن لهم في القتال وصفهم في هذه الآية فقال : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) والمراد من هذا التمكن السلطنة ونفاذ القول على الخلق (١٢) أي : نصرناهم على عدوهم حتى تمكنوا من البلاد. قال قتادة (١٣) : هم أصحاب محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المهاجرون لأن الأنصار لم يخرجوا من ديارهم فوصفهم بأنهم أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، ثم قال (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي : آخر أمور الخلق ومصيرهم أي : يبطل كل ملك سوى ملكه ، فتصير الأمور له بلا منازع (١٤).
قوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها
__________________
(١) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٩٣ ، التبيان ٩٤٤.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٢.
(٣) بها : سقط من ب.
(٤) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٠١. والفخر الرازي ٢٣ / ٤٢.
(٥) انظر البغوي ٥ / ٥٩٥.
(٦) في ب : لقوي عزيز.
(٧) في ب : وعد.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٢.
(٩) في قوله تعالى : «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ» [الحج : ٤٠] التبيان ٢ / ٩٤٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٦.
(١٠) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٣١ ، وانظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٠٠ ، الكشاف ٣ / ٣٥ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٩٥ ، البيان ٢ / ١٧٧.
(١١) انظر البيان ٢ / ١٧٧.
(١٢) الفخر الرازي ٢٣ / ٤٢.
(١٣) من هنا نقله عن البغوي ٥ / ٥٩٥.
(١٤) آخر ما نقله عن البغوي ٥ / ٥٩٥.