وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(٤٦)
قوله تعالى (١) : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) الآية. لما بيّن (٢) إخراج الكفار المؤمنين من ديارهم بغير حق ، وأذن في مقاتلتهم ، وضمن للرسول النصرة ، وبين أن لله عاقبة الأمور ، أردفه بما يجري مجرى التسلية للرسول بالصبر (٣) على أذيته بالتكذيب وغيره ، فقال : وإن يكذبوك قومك فقد كذبت قبلهم سائر الأمم أنبياءهم ، وذكر الله تعالى سبعة منهم. فإن قيل : فلم قال : وكذب موسى. ولم يقل : وقوم موسى؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل ، وإنما كذبه غير قومه وهم القبط.
الثاني : كأنه قيل بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم ، وكذّب موسى أيضا مع وضوح آياته وعظم معجزاته فما ظنك بغيره. (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أي : أمهلتهم إلى الوقت المعلوم عندي (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) عاقبتهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعذاب ، وهذا استفهام تقرير ، أي ؛ أليس كان واقعا قطعا ، أبدلتهم بالنعمة نقمة ، وبالكثرة قلة ، وبالحياة موتا ، وبالعمارة خرابا؟ وأعطيت الأنبياء جميع ما وعدتهم من النصر على أعدائهم والتمكين لهم في الأرض ، فينبغي أن تكون عادتك يا محمد الصبر عليهم ، فإنه تعالى إنما يمهل لمصلحة ، فلا بد من الرضا والتسليم ، وإن شق ذلك على القلب (٤).
والنكير : مصدر بمعنى الإنكار كالنذير بمعنى الإنذار (٥). وأثبت ياء نكيري حيث وقعت ورش في الوصل وحذفها في الوقف ، والباقون بحذفها (٦) وصلا ووقفا (٧).
قوله : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) يجوز أن تكون «كأين» منصوبة المحل على الاشتغال بفعل مقدر يفسره (أهلكتها) وأن تكون في محل رفع بالابتداء ، والخبر (أهلكتها) (٨). وتقدم تحقيق القول فيها (٩). قال بعضهم : المراد من قوله : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) وكم ، على وجه التكثير.
__________________
(١) تعالى : سقط من الأصل.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٤٣ ـ ٤٤.
(٣) في ب : بالنصر. وهو تحريف.
(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٤٣ ـ ٤٤.
(٥) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٦.
(٦) في ب : بحد فهما. وهو تحريف.
(٧) السبعة (٤٤١) ، الكشف ٢ / ١٢٤ ، النشر ٢ / ٣٢٧ ، الإتحاف ٦ / ٣.
(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٤٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٦.
(٩) عند قوله تعالى : «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ» [آل عمران : ١٤٦].