وقيل : معناه : ورب قرية. والأول أولى ، لأنه أوكد في الزجر.
وقوله : «أهلكتها» قرأ أبو عمرو ويعقوب «أهلكتها» بالتاء ، وهو اختيار أبي عبيد لقوله : (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة والمدينة «أهلكناها» (١).
قوله : (وَهِيَ ظالِمَةٌ) جملة حالية من هاء «أهلكناها» (٢).
وقوله : (فَهِيَ خاوِيَةٌ) عطف على «أهلكتها» ، فيجوز أن تكون في محل رفع لعطفها على الخبر على القول الثاني ، وأن لا تكون لها محل لعطفها على الجملة المفسرة على القول الأول. وهذا عنى الزمخشري بقوله : والثانية ـ يعني قوله : (فَهِيَ خاوِيَةٌ) ـ لا محل لها ، لأنها معطوفة على «أهلكناها» وهذا الفعل ليس له محل (٣). تفريعا (٤) على القول بالاشتغال ، وإلا إذا قلنا إنه خبر لكان له محل ضرورة.
فصل (٥)
المعنى : وكم من قرية أهلكتها (أي أهلها) (٦) لقوله : (وَهِيَ ظالِمَةٌ) ، أي : وأهلها ظالمون ، (فَهِيَ خاوِيَةٌ) ساقطة (عَلى عُرُوشِها) على سقوفها. قال الزمخشري : كل مرتفع أظلك من سقف بيت أو خيمة أو ظلة فهو عرش ، والخاوي : الساقط من خوى النجم : إذا سقط ، أو من خوى المنزل : إذا خلا من أهله (٧). فإذا فسرنا الخاوي بالساقط كان المعنى أنها ساقطة على سقوفها ، أي : خرت سقوفها على الأرض ، ثم تهدمت حيطانها ، فسقطت فوق السقوف. وإن فسرناه بالخالي كان المعنى أنها خلت من الناس مع بقاء عروشها وسلامتها ويمكن أن يكون خبرا بعد خبر ، أي : هي (٨) خالية وهي على عروشها ، يعني أن السقوف سقطت على الأرض فصارت في قرار الحيطان ، وبقيت الحيطان قائمة ، فهي مشرفة على السقوف الساقطة (٩). قوله : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) عطف على «قرية» ، وكذلك «قصر» أي : وكأيّ من بئر وقصر أهلكناهما (١٠). وقيل : يحتمل أن تكون معطوفة وما بعدها على «عروشها» أي : خاوية على بئر وقصر أيضا ، وليس بشيء (١١).
__________________
(١) السبعة (٤٣٨). الكشف ٢ / ١٢١ ، النشر ٢ / ٣٢٧ ، الإتحاف (٣١٦).
(٢) انظر الكشاف ٣ / ٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٦.
(٣) الكشاف ٣ / ٤٥.
(٤) في ب : تعريفا.
(٥) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٤٤ ـ ٤٥.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) الكشاف ٣ / ٣٥.
(٨) هي : سقط من الأصل.
(٩) انظر الكشاف أيضا ٣ / ٣٥.
(١٠) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٠٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٩٧ ، البيان ٢ / ١٧٨ ، التبيان ٢ / ٩٤٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٦.
(١١) قال الفراء : (البئر والقصر يخفضان على العروش ، وإذا نظرت في معناها وجدتها ليست تحسن فيها (على) ، لأن العروش أعالي البيوت ، والبئر في الأرض ، وكذلك القصر ، لأن القرية لم تخو على القصر ، ولكنه أتبع بعضه بعضا) معاني القرآن ٢ / ٢٢٨ ، وهذا يوضح سبب الضعف في هذا الوجه ، ـ