قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(٥١)
قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) الآية. نزلت في النضر بن الحارث حيث قال : (إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ) (١) (٢).
وهذا يدل على أنه ـ عليهالسلام (٣) ـ كان يخوفهم بالعذاب إن استمروا على كفرهم ، ولهذا قال : (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) ، فأنجز ذلك يوم بدر. ثم بين أن العاقل لا ينبغي له أن يستعجل عذاب الآخرة فقال : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) أي فيما ينالهم من العذاب وشدته (كَأَلْفِ سَنَةٍ) ، فبين تعالى أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه. قاله أبو مسلم (٤) وقيل : المراد طول أيام الآخرة في المحاسبة (٥). وقيل : إن اليوم الواحد وألف سنة بالنسبة إليه على السواء ، لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء ، فإذا لم يستبعدوا إمهال (٦) يوم فلا يستبعدوا إمهال ألف سنة (٧)(مِمَّا تَعُدُّونَ) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «يعدّون» بياء الغيبة ، لقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) وقرأ الباقون بالتاء (٨) ، لأنه أعمّ ، ولأنه خطاب للمسلمين. واتفقوا (٩) في «تنزيل» السجدة بالتاء (١٠). قال ابن عباس : يعني يوما من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض (١١) وقال مجاهد وعكرمة: يوما من أيام الآخرة ، لما روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالفوز التّام يوم القيامة تدخلون الجنّة قبل أغنياء النّاس بنصف يوم ، وذلك قدر خمسمائة سنة» (١٢).
__________________
(١) [الأنفال : ٣٢].
(٢) انظر البغوي ٥ / ٥٩٧.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٧.
(٥) المرجع السابق.
(٦) في ب : إلهام. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٧.
(٨) السبعة (٤٣٩) ، الكشف ٢ / ١٢٢ ، النشر ٢ / ٣٢٧ ، الإتحاف (٣١٦).
(٩) في الأصل : واختلفوا. وهو تحريف.
(١٠) وهو قوله تعالى : «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ»[السجدة : ٥].
(١١) انظر البغوي ٥ / ٥٩٨ ، الدر المنثور ٤ / ٣٦٥.
(١٢) أخرجه أبو داود (علم) ٤ / ٧٣ ، أحمد ٣ / ٦٣ ، ٩٦ ، وانظر البغوي ٥ / ٥٩٨.