وأما معاجزين فالمغالبة (١) في الحقيقة ترجع إلى الرسول والأمة لا إلى الله تعالى (٢).
ثم قال : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي : أنهم يدومون فيها.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(٥٧)
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ) الآية. قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهما من المفسرين : لما رأى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إعراض قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم (٣) عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه (٤) على إيمانهم ، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش ، وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء ينفّر عنه ، وتمنى ذلك فأنزل الله سورة (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى)(٥) ، فقرأها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى بلغ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى)(٦) ، ألقى الشيطان على لسانه لما كان تحدثه (٧) به نفسه ويتمنّاه: تلك الغرانيق (٨) العلى منها الشفاعة ترتجى. فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ، ومضى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في قراءته ، وقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة (٩) ، فسجد المسلمون لسجوده ، وسجد جميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص ، فإنهما أخذا حفنة من
__________________
(١) في ب : فالغالب وهو تحريف.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ ـ ٤٨.
(٣) في ب : ما عد هو. وهو تحريف.
(٤) في ب : لحرضه. وهو تصحيف.
(٥) [النجم : ١].
(٦) [النجم : ١٩ ، ٢٠].
(٧) في ب : يحدث.
(٨) الغرانيق : هي الأصنام ، وهي في الأصل الذكور من طير الماء. ابن الأنباري : الغرانيق الذكور من الطير واحدها غرنوق ، وغرنيق سمي به لبياضه. وقيل هو الكركي. كانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله عزوجل ، وتشفع لهم إليه فشبهت بالطيور التي تعلو وترتفع في السماء. قال ويجوز أن تكون الغرانيق في الحديث جمع الغرانق وهو الحسن. يقال : غرانق وغرانق وغرانيق. اللسان (غرنق).
(٩) عند قوله تعالى : «فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا»[النجم : ٦٢].