وقيل : إنما سميت القراءة أمنية لأن القارىء إذا انتهى إلى آية رحمة تمنى حصولها وإذا انتهى إلى آية عذاب تمنى أن لا يبتلى بها.
وقال أبو مسلم : التّمنّي هو التقدير ، وتمنّى هو تفعّل من منيت ، والمنيّة وفاة الإنسان للوقت الذي قدره الله (١) ، ومنّى الله لك أي : قدّر لك ، وإذا (٢) تقرر ذلك فإن التالي مقدر للحروف يذكرها شيئا فشيئا. فالحاصل أن الأمنية إما القراءة وإما الخاطر ، فإن فسرناها بالقراءة ففيه قولان :
الأول : أنه تعالى أراد بذلك ما يجوز أن يسهو الرسول فيه ويشتبه على القارىء دون ما رووه (٣) من قوله : تلك (٤) الغرانيق العلى.
والثاني : المراد منه وقوع هذه الكلمة في قراءته ، ثم اختلف القائلون بهذا على وجوه :
الأول : أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٥) ـ لم (٦) يتكلم بقوله : تلك الغرانيق العلى ، ولا الشيطان تكلم به ، ولا أحد تكلم به لكنه ـ عليهالسلام (٧) ـ لما قرأ سورة النجم اشتبه الأمر على الكفار فحسبوا بعض ألفاظه ما رووه (٨) من قولهم : تلك الغرانيق العلى. وذلك على حسب ما جرت العادة به من توهم بعض الكلمات على غير (٩) ما يقال ، قاله جماعة وهو ضعيف لوجوه :
أحدها : أن التوهم في مثل ذلك إنما يصح فيما جرت العادة بسماعه ، فأما غير المسموع فلا يقع ذلك فيه.
وثانيها : أنه لو كان كذلك لوقع هذا التوهم في بعض هذا لتوهم (١٠) بعض السامعين (١١) دون البعض فإن (١٢) العادة مانعة من اتفاق الجمع العظيم في الساعة الواحدة (١٣) على خيال (١٤) واحد فاسد في المحسوسات.
وثالثها : لو كان كذلك لم يكن مضافا إلى الشيطان.
الوجه الثاني : قالوا : إن ذلك الكلام كلام الشيطان وذلك بأن يلفظ بكلام من تلقاء
__________________
ـ تمنى : قرأ وتلا ، وهو موطن الشاهد. الحمام بالكسر : قضاء الموت وقدره ، من قولهم : حمّ كذا ، أي قدّر.
(١) لفظ الجلالة سقط من ب.
(٢) في ب : إذا.
(٣) في ب : ما ورده. وهو تحريف.
(٤) في النسختين : إن.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) في الأصل : لا.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) في ب : ما رواه. وهو تحريف.
(٩) في ب : عر وهو تحريف.
(١٠) في الأصل : يتوهم.
(١١) في الأصل : المسامعين. وهو تحريف.
(١٢) في ب : وإن.
(١٣) في ب : العادة. وهو تحريف.
(١٤) في ب : حال. وهو تحريف.