أن لا يجوز عليهم شيئا من ذلك ، لأن الله تعالى قد نصبهم حجة واصطفاهم للرسالة فلا يجوز عليهم ما يطعن في ذلك أو ينفر ، ومثل ذلك في التنفير أعظم من الأمور التي حثه الله تعالى (١) على تركها نحو الفظاظة وقول الشعر ، فقد ظهر القطع بكذب هذه الوجوه المذكورة في قوله : الغرانيق العلا هذا إذا فسرنا التمني بالتلاوة. فأما إن فسرنا التمني بالخاطر وتمني القلب ، فالمعنى أنه ـ عليهالسلام (٢) ـ إذا تمنى بعض ما يتمناه من الأمور وسوس إليه الشيطان بالباطل ويدعوه إلى ما لا ينبغي ، ثم إن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله ويهديه إلى ترك الالتفات إلى وسوسته. ثم اختلفوا في كيفية تلك الوسوسة على وجوه :
أحدها : أنه تمنى ما يتقرب به إلى المشركين من ذكر آلهتهم بالثناء قالوا : إنه ـ عليهالسلام (٧) ـ كان (٣) يحب أن يتألفهم (٤) ، فكان يتردد ذلك في نفسه ، فعندما لحقه النعاس زاد تلك الزيادة من حيث كانت في نفسه ، وهذا أيضا خروج عن الدين لما تقدم (٥).
وثانيها (٦) : قال مجاهد إنه ـ عليهالسلام (٧) ـ كان يتمنى إنزال الوحي عليه على سرعة دون تأخير ، فنسخ الله ذلك بأن عرفه أن إنزال ذلك بحسب المصالح في الحوادث والنوازل وغيرها.
وثالثها : يحتمل أنه ـ عليهالسلام (٧) ـ عند نزول الوحي كان يتفكر في تأويله إذا كان مجملا ، فيلقي الشيطان في جملته ما لم ينزل (٧) ، فبين تعالى أنه ينسخ ذلك بالإبطال ويحكم ما أراده بأدلته وآياته.
ورابعها : معنى (إِذا تَمَنَّى) إذا أراد فعلا مقربا (٨) إلى الله ألقى الشيطان في فكره ما يخالفه ، فرجع إلى الله في ذلك ، وهو كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)(٩) ، وكقوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)(١٠). ومن الناس من قال لا يجوز حمل الأمنية على تمني القلب ، لأنه لو كان كذلك لم يكن ما يخطر ببال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ فتنة للكفار ، وذلك يبطله قوله : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ).
والجواب : لا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخاطر فحصل السهو في الأفعال الظاهرة بسببه فيصير ذلك فتنة للكفار (١١).
__________________
(١) تعالى : سقط من الأصل.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) في الأصل : يرده.
(٣) في ب : كانوا وهو تحريف.
(٤) في الأصل : يتفالهم. وهو تحريف.
(٥) عند حديثه عن ضعف الوجه الرابع.
(٦) في ب : وثالثها. وهو تحريف.
(٧) في الأصل : يرده.
(٨) في ب : تقربا.
(٩) [الأعراف : ٢٠]. و «طيف» قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي وقرأ الباقون «طائف». انظر السبعة (٣٠١) ، الكشف ١ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧.
(١٠) [الأعراف : ٢٠٠].
(١١) الفخر الرازي ٢٣ / ٥١ ـ ٥٥.