عار منها ، فإن صح ما نصوا عليه يؤول على أن «إذا» جردت للظرفية ، ولا شرط فيها ، وفصل بها بين (إلا) والفعل الذي هو «ألقى» (١) ، وهو فصل جائز ، فتكون «إلا» قد وليها ماض في التقدير ، ووجد شرطه وهو تقدم فعل قبل (إلا) وهو (وَما أَرْسَلْنا)(٢). قال شهاب الدين : ولا حاجة إلى هذا التكليف المخرج للآية عن معناها بل هي جملة شرطية إما حال أو صفة أو استثناء كقوله: (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ)(٣) وكيف يدعي الفصل بها وبالفعل بعدها بين «إلا» وبين «ألقى» من غير ضرورة تدعو إليه ، ومع عدم صحة المعنى (٤).
وقوله تعالى : (إِذا تَمَنَّى) إنما أفرد الضمير ، وإن تقدمه سببان معطوف أحدهما على الآخر بالواو ، لأن في الكلام حذفا تقديره : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا إذا تمنى ، ولا نبي إلا إذا تمنى كقوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٥) ، والحذف إما من الأول أو الثاني (٦). والضمير في «أمنيّته» فيه قولان : أظهرهما أنه ضمير الشيطان والثاني : أنه ضمير الرسول.
قوله : «ليجعل» في متعلق هذه اللام ثلاثة أوجه :
أظهرها (٧) : أنها متعلقة ب «يحكم» ، أي : ثم يحكم الله آياته ليجعل ، وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) جملة اعتراض ، وإليه نحا الحوفي (٨).
والثاني : أنها متعلقة ب «ينسخ» وإليه نحا ابن عطية (٩) ، وهو ظاهر أيضا.
الثالث : أنها متعلقة ب «ألقى» (١٠) ، وليس بظاهر. وفي اللام (١١) قولان :
__________________
ـ لأن (قد) تقرب الفعل الماضي إلى الحال فأشبه المضارع ، والمضارع لا يشترط فيه تقدم لشبهه بالاسم ، والاسم بإلا أولى ، لأن المستثنى لا يكون إلا اسما ومؤولا به وإنما ساغ وقوع الماضي بتقديم الفعل ، لأنه مع النفي يجعل الكلام بمعنى : كلما كان كذا كان كذا فكان فيه فعلان كما كان مع (كلما) وقال ابن طاهر : أجاز المبرد وقوع الماضي مع (قد) بدون تقدم فعل ، ولم يذكره من تقدم من النحاة. وفي البديع لو قلت : ما زيد إلا قام. لم يجز ؛ فإن دخلت قد أجازها قوم. الهمع ١ / ٢٣٠.
(١) في ب : النفي. وهو تحريف.
(٢) البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.
(٣) [الغاشية : ٢٣ ، ٢٤].
(٤) الدر المصون ٥ / ٧٨.
(٥) من قوله تعالى : «يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ» [التوبة : ٦٢].
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.
(٧) في ب : أظهرهما. وهو تحريف.
(٨) البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.
(٩) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٠٨.
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.
(١١) في ب : الكلام. وهو تحريف.