وقوله : (ثُمَّ قُتِلُوا) وقوله : «مدخلا» تقدم الخلاف في القراءة بهما في آل عمران (١) وفي النساء (٢).
فصل
لما ذكر أن الملك له يوم القيامة ، وأنه يحكم بينهم ، ويدخل المؤمنين الجنات أتبعه بذكر الوعد الكريم للمهاجرين ، وأفردهم بالذكر تفخيما لشأنهم فقال : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا)(٣) فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله ، وطلب رضاه (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) وهم كذلك قال مجاهد : نزلت في طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة للهجرة فتبعهم المشركون فقاتلوهم وظاهر الآية العموم (٤). ثم قال : (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) والرزق الحسن هو الذي لا ينقطع أبدا وهو نعيم الجنة. وقال الأصم : إنه العلم والفهم لقول شعيب ـ عليهالسلام (٥) ـ (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً)(٦). (وقال الكلبي : (رِزْقاً حَسَناً)) (٧) أي حلالا وهو الغنيمة.
وهذان الوجهان ضعيفان لأنه تعالى جعله جزاء على هجرتهم في سبيل الله بعد القتل والموت ، وبعدهما لا يكون إلا نعيم الآخرة (٨). ثم قال : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) معلوم (٩) بأن كل الرزق من عنده. فقيل : إن (١٠) التفاوت إنما كان بسبب أنه تعالى مختص بأن يرزق بما لا يقدر عليه غيره. وقيل : المراد أنه الأصل في الرزق ، وغيره إنما يرزق بما تقدم من الرزق من جهة الله (١١). وقيل : إن غيره ينقل من يده إلى يد غيره لا أنه يفعل نفس الرزق.
وقيل : إن غيره إذا رزق فإنما (١٢) يرزق لانتفاعه به ، إما لأجل خروجه عن الواجب أو لأجل أن يستحق به حمدا أو ثناء ، أو لأجل الرقّة الجنسية ، أما (١٣) الحق سبحانه فإن كماله صفة ذاتية له فلا يستفيد من شيء كمالا زائدا ، فالرزق الصادر منه لمحض الإحسان. وقيل : إن غيره إنما يرزق إذا حصل في قلبه إرادة ذلك الفعل ، وتلك الإرادة من الله ، فالرازق في الحقيقة هو الله (١٤).
__________________
(١) من قوله تعالى : «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» [آل عمران : ١٦٩].
(٢) عند قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً» [النساء : ٣١].
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٨.
(٤) المرجع السابق.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) [هود : ٨٨].
(٧) ما بين القوسين سقط من ب.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٨ ـ ٥٩.
(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٥٨ ـ ٥٩.
(١٠) إن : سقط من ب.
(١١) في ب : الله تعالى.
(١٢) في ب : إنما.
(١٣) في ب : وأما.
(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٥٨ ـ ٥٩.