فصل (١)
قالت المعتزلة : الآية تدل على أمور ثلاثة :
الأول : أن غير الله (٢) قادر.
الثاني : أن غير الله يصح أن يرزق ويملك ، ولو لا كونه قادرا فاعلا لما صح ذلك.
الثالث : أن الرزق لا يكون إلا حلالا ، لأن قوله : (خَيْرُ الرَّازِقِينَ) يدل على كونهم ممدوحين.
والجواب : لا نزاع في كون العبد قادرا ، فإن القدرة مع الداعي مؤثرة في الفعل بمعنى الاستلزام.
والثالث بحث لفظي تقدم الكلام فيه.
فصل
دل قوله : (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) على أن حال المقتول في الجهاد والميت على فراشه سواء ، لأنه تعالى جمع بينهما في الوعد ، ويؤيده ما روى أنس أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «المقتول في سبيل الله والمتوفّى في سبيل الله بغير قتل هما في الأجر شريكان» ولفظ الشركة مشعر بالتسوية وإلا فلا يبقى لتخصيصها بالذكر فائدة (٣).
قوله : «ليدخلنّهم» هذه الجملة يجوز أن تكون بدلا من «ليرزقنّهم» وأن تكون مستأنفة (٤). وقوله : (مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) قال ابن عباس : إنما قال : «يرضونه» لأنهم يرون في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ف «يرضونه» وقوله : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(٥) وقوله : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً)(٦)(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ)(٧)(٨).
ثم قال : (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) عليم بما يستحقونه فيفعله بهم ويزيدهم ، أو عليم بما يرضونه فيعطيهم ذلك في الجنة ، وأما الحليم فلا يعجل بالعقوبة على من يقدم على المعصية ، بل يمهل لتقع منه التوبة فيستحق الجنة (٩).
قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ) «ذلك» خبر مبتدأ مضمر أي : الأمر ذلك وما بعده مستأنف (١٠). والباء في قوله : (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) للسببية في الموضعين قاله أبو البقاء (١١)
__________________
(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٥٩.
(٢) في ب : أن الله غير. وهو تحريف.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٩.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.
(٥) من قوله تعالى : «فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ»[الحاقة : ٢١] ، [القارعة : ٧].
(٦) [الفجر : ٢٨].
(٧) [التوبة : ٧٢].
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٩ ـ ٦٠.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٠.
(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.
(١١) المرجع السابق.