وحفص وأبو عمرو هنا وفي لقمان (١) «يدعون» بالياء من تحت. والباقون بالتاء من فوق ، والفعل مبني للفاعل (٢) وقرأ مجاهد واليماني بالياء من تحت مبنيا للمفعول (٣). والواو التي هي ضمير تعود على معنى «ما» (٤) والمراد بها الأصنام أو الشياطين (٥) ، ومعنى الآية : أن ذلك الوصف الذي تقدم من القدرة على هذه الأمور لأجل أن الله هو الحق ، أي (٦) : هو الموجود الواجب لذاته الذي يمتنع عليه التغيير والزوال وأن ما يفعل من عبادته هو الحق وما يفعل من عبادة غيره فهو الباطل كقوله : (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ)(٧)(٨).
(وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) العلي (٩) القاهر (١٠) المقتدر نبه بذلك على أنه القادر على الضر والنفع دون سائر من يعبد مرغبا بذلك في عبادته زاجرا عن عبادة غيره ، وأما الكبير فهو العظيم في قدرته وسلطانه ، وذلك يفيد كمال القدرة (١١).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ)(٦٦)
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) الآية لما دل على قدرته بما تقدم أتبعه بأنواع أخر من الدلائل على قدرته ونعمته فقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ) وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المراد الرؤية الحقيقية ، لأن الماء النازل من السماء يرى بالعين ،
__________________
(١) وهو قوله تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» [لقمان : ٣٠].
(٢) السبعة (٤٤٠) الكشف ٢ / ١٢٣ ، النشر ٢ / ٣٢٧ ، الإتحاف (٣٩٦).
(٣) المختصر (٩٦) ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٤.
(٤) ما : سقط من ب.
(٥) والأولى العموم في كل مدعو دون الله تعالى. تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٤.
(٦) أي : سقط من ب.
(٧) من قوله تعالى : «لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ»[غافر : ٤٣].
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦١.
(٩) العلي : سقط من ب.
(١٠) في ب : الفاعل. وهو تحريف.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦١.