على ما قال لكان التركيب بإذنه دون أداة الاستثناء ويكون التقدير : ويمسك السماء بإذنه (١).
قال شهاب الدين : فهذا الاستثناء مفرغ ، ولا يقع في موجب ، لكنه لما كان الكلام قبله في قوة النفي ساغ ذلك إذ التقدير : لا يتركها تقع إلا بإذنه ، والذي يظهر أن هذه الباء حالية ، أي : إلا ملتبسة بأمره (٢). ثم قال : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي أن المنعم بهذه النعم الجامعة لمنافع الدنيا والدين قد بلغ الغاية في الإحسان والإنعام ، فهو إذا رؤوف رحيم (٣) قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) أنشأكم ولم تكونوا شيئا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) يوم القيامة للثواب والعقاب (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) لنعم الله عزوجل (٤) ، وهذا كما يعدد (٥) المرء نعمه على ولده ثم يقول: إن الولد لكفور لنعم الوالد زجرا له عن الكفران ، وبعثا له على الشكر ، فلذلك أورد تعالى ذلك في الكفار ، فبين أنهم دفعوا هذه النعم وكفروا بها وجهلوا خالقها مع وضوح أمرها ونظيره قوله (٦) : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(٧).
قال ابن عباس : الإنسان هنا هو الكافر ، وقال في رواية : هو الأسود بن عبد الأسد (٨) وأبو جهل والعاص وأبي بن خلف. والأولى أنه في كل المنكرين (٩).
قوله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(٦٩)
قوله تعالى (١٠) : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) لما عدد نعمه وأنه لرؤوف (١١) رحيم بعباده ، وإن كان منهم من يكفر ولا يشكر ، أتبعه بذكر نعمه بما كلّف ، فقال : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً). وحذف الواو من قوله : (لِكُلِّ أُمَّةٍ) لأنه لا تعلق لهذا الكلام بما قبله فحذف العاطف(١٢).
قال الزمخشري : لأن تلك (١٣) وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الواردة في
__________________
(١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٨٧.
(٢) الدر المصون : ٥ / ٨٠.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٤.
(٤) في ب : الله تعالى. انظر البغوي ٥ / ٦٠٩.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٤.
(٦) قوله : سقط من ب.
(٧) [سبأ : ١٣].
(٨) في الأصل : الأسود. وهو تحريف.
(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٤.
(١٠) تعالى : سقط من ب.
(١١) في ب : رؤوف.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٥.
(١٣) يريد قوله تعالى : «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ»[٣٤ من السورة نفسها].