مأخوذ من النسك وهو العبادة ، وإذا وقع الاسم على عبادة فلا وجه للتخصيص (١).
فإن قيل : هلا حملتموه على الذبح ، لأن المنسك في العرف لا يفهم منه إلا الذبح وهلا حملتموه على موضع العبادة وعلى وقتها؟
فالجواب عن الأول : لا نسلم أن المنسك في العرف مخصوص بالذبح ، لأن سائر أفعال الحج تسمى مناسك قال عليهالسلام (٢) : «خذوا عنّي مناسككم» (٣).
وعن الثاني : أن قوله : (هُمْ ناسِكُوهُ) أليق بالعبادة منه بالوقت والمكان (٤). (فَلا يُنازِعُنَّكَ) قرأ الجمهور بتشديد النون ، وقرىء بالنون الخفيفة (٥) وقرأ أبو مجلز «فلا ينزعنك» (٦) من نزعته من كذا أي قلعته منه. وقال الزجاج : هو من نازعته فنزعته أنزعه أي : غلبته في المنازعة (٧). ومجيء هذه الآية كقوله تعالى : (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها)(٨) وقولهم : لا أرينّك ههنا (٩).
فصل
معنى الكلام على قراءة أبي مجلز : أي اثبت في دينك ثباتا لا يطمعون أن يخدعوك ليزيلوك عنه(١٠) وعلى قراءة : «ينازعنّك» فيه قولان :
الأول : قال الزجاج : إنه نهي له عن منازعتهم كما تقول : لا يضاربك فلان أي (١١) : لا تضاربه (١٢). قال بعض المفسرين : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) في أمر الذبائح ، نزلت في بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان ويزيد بن حبيش قالوا لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : ما لكم تأكلون ما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون ما قتل الله (١٣)(١٤).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٥.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) أخرجه مسلم (حج) ٢ / ٩٤٣ ، برواية : (لتأخذوا مناسككم) ، أحمد ٣ / ٣١٨ ، ٣٣٧ ، ٣٧٨.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٥.
(٥) البحر المحيط ٦ / ٣٨٧.
(٦) المختصر (٩٦) ، المحتسب ٢ / ٨٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٨.
(٧) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٣٧.
(٨) [طه : ١٦].
(٩) فلفظ النهي لهم ومعناه له صلىاللهعليهوسلم ، أي فاثبت على يقينك في صحة دينك ولا تلتفت إلى فساد أقوالهم ، حتى إذا رأوك كذلك أمسكوا عنك ولم ينازعوك فالنهي إنما يراد به معنى من غير اللفظ ، كما يراد في قولهم : لا أرينك ههنا ، أي : لا تكن هنا فأراك ، فالنهي في اللفظ لنفسه ومحصول معناه للمخاطب. المحتسب ٢ / ٨٦.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٥.
(١١) في ب : و.
(١٢) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٣٧. وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا من اثنين ، لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين ، فإذا قلت : لا يجادلنّك فلان فهو بمنزلة لا تجادلنه ، ولا يجوز هذا في قوله : لا يضربنك فلان وأنت تريد لا تضربه ، ولكن لو قلت : لا يضاربنّك فلان لكان كقولك : لا تضاربنّ فلانا.
(١٣) في ب : ما قتله.
(١٤) انظر البغوي ٥ / ٦١٠.