والثاني (١) : أن المراد أن عليهم اتباعك وترك مخالفتك ، وقد استقر الآن الأمر على شرعك ، وعلى أنه ناسخ لكل ما عداه ، فكأنه قال : كل (٢) أمة بقيت منها بقية يلزمها أن تتحول إلى اتباع الرسول ـ عليهالسلام (٣) ـ فلذلك قال : «وادع إلى ربّك» أي : لا تخص بالدعاء أمة دون أمة (٤) ، فكلهم أمتك فادعهم إلى شريعتك ، فإنك على هدى مستقيم والهدى (٥) يحتمل أن يكون نفس الدين ، وأن يكون أدلة الدين ، وهو أولى. كأنه قال : ادعهم إلى هذا الدين فإنك من حيث الدلالة على طريقة واضحة ، ولهذا قال : (وَإِنْ (٦) جادَلُوكَ) أي فإن عدلوا عن هذه الأدلة إلى المراء والتمسك بعادتهم (فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي أنه ليس بعد إيضاح الأدلة إلا هذا الجنس الذي يجري مجرى الوعيد والتحذير من يوم القيامة الذي يتردد بين جنة وثواب لمن قبل وبين نار وعقاب لمن ردّ وأنكر. فقال : (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) فتعرفون حينئذ الحق من الباطل (٧).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧٠) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٧٢)
قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الآية. لما قال : (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) أتبعه (٨) بما به يعلم أنه تعالى عالم بما (٩) يستحقه كل أحد ، ويقع الحكم بينهم بالعدل لا بالجور فقال لرسوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، وهذا استفهام معناه تقوية قلب الرسول ـ عليهالسلام (١٠) ـ والوعد له وإبعاد الكافرين بأن أفعالهم كلها محفوظة عند الله لا يضل عنه ولا ينسى. والخطاب مع الرسول والمراد سائر العباد لأن الرسالة لا تثبت إلا بعد العلم بكونه تعالى عالما بكل المعلومات ، إذ لو لم يثبت ذلك لجاز أن يشتبه عليه الكاذب بالصادق ، فحينئذ لا يكون إظهار المعجزة دليلا على الصدق ، وإذا كان كذلك استحال أن لا يكون الرسول عالما بذلك ، فثبت أن المراد
__________________
(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٥ ـ ٦٦.
(٢) في ب : لكل.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) أمة : سقط من ب.
(٥) في ب : أو لهدى.
(٦) في النسختين : فإن. وهو تحريف.
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٥ ـ ٦٦.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٦ ـ ٦٧.
(٩) في ب : مما.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.