ابن الصيف (١) وكعب بن الأشرف ، وكعب بن أسد ، وغيرهم من اليهود ، حيث قالوا : إن الله تعالى (٢) لما فرغ من خلق السموات والأرض أعيا من خلقها ، فاستلقى واستراح ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى ، فنزلت هذه الآية تكذيبا لهم ، ونزل قوله : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ)(٣)» (٤).
قوله تعالى : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٧٦)
قوله تعالى : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) الآية لما ذكر ما يتعلق بالإلهيات ذكر هاهنا ما يتعلق بالنبوات. قال بعضهم : [تقدير الكلام : ومن الناس رسلا. ولا حاجة لذلك ، بل قوله (وَمِنَ النَّاسِ) مقدّر التقديم ، أي : يصطفي من الملائكة ومن الناس رسلا](٥). قال مقاتل (٦) : قال الوليد بن المغيرة (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا)(٧)؟ فأنزل الله هذه الآية (٨) فإن قيل : كلمة «من» للتبعيض ، فقوله (مِنَ الْمَلائِكَةِ) يقتضي أن يكون الرسل بعضهم لا كلهم ، وقوله : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً)(٩) يقتضي كون كلهم رسلا ، فكيف الجمع؟
فالجواب : يجوز (١٠) أن يكون المذكور ههنا من كان رسلا إلى بني آدم ، وهم (١١) أكابر الملائكة كجبريل وميكائيل وإسرافيل ، والحفظة صلوات الله عليهم ، وأما كل الملائكة فبعضهم رسل إلى البعض(١٢). فإن قيل (١٣) : قوله في سورة الزمر (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ)(١٤) فدل على أن ولده يجب أن يكون مصطفى ، وهذه الآية تدل على أن بعض الملائكة وبعض الناس من المصطفين ، فلزم بمجموع الآيتين إثبات الولد.
فالجواب : أن قوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى)(١٤) يدل على أن كل ولد
__________________
(١) في ب : الضيف. وهو تحريف.
(٢) في ب : سبحانه.
(٣) من قوله تعالى : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ» [ق : ٣٨].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٠.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) قال مقاتل : سقط من الأصل.
(٧) [ص : ٨].
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٠.
(٩) من قوله تعالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً»[فاطر : ١].
(١٠) يجوز : سقط من الأصل.
(١١) في النسختين : وهو. وما أثبته من الفخر الرازي.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٠ ـ ٧١. وفي ب زيادة قوله : قال بعضهم : تقدير الكلام ومن الناس رسلا.
(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧٠.
(١٤) [الزمر : ٤].