مصطفى ولا يدل (١) على أن كل مصطفى ولد ، فلا يلزم من دلالة هذه الآية على وجود مصطفى كونه ولدا. وأيضا فالمراد من هذه الآية تبكيت من عبد غير الله من الملائكة ، كأنه سبحانه أبطل في الآية الأولى قول عبدة الأوثان ، وفي هذه الآية أبطل قول عبدة الملائكة ، فبين أن علو درجة الملائكة ليس لكونهم آلهة لأن الله اصطفاهم لمكان عبادتهم ، فكأنه تعالى بيّن أنهم (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) إذ جعلوا الملائكة معبودة مع الله.
ثم بين تعالى (٢) : بقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أنه يسمع ما يقولون ، ويرى ما يفعلون (٣) ولذلك أتبعه بقوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ)(٤). قال ابن عباس : ما قدموا وما خلفوا (٥) وقال الحسن : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ما عملوا ، (وَما خَلْفَهُمْ) ما هم عاملون من بعد (٦). ثم قال : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) إشارة إلى القدرة التامة ، والتفرد بالإلهية والحكم (٧) ، ومجموعهما يتضمن نهاية الزجر عن الإقدام على المعصية (٨).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٧٨)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) إلى آخر السورة. لما ذكر الإلهيات (٩) ثم النبوات أتبعه بالكلام في الشرائع ، وهو من أربعة أوجه :
الأول : تعيين المأمور.
والثاني : أقسام المأمور به.
والثالث : ذكر ما يوجب تلك الأوامر.
والرابع : تأكيد ذلك التكليف.
فأما تعيين المأمور به فهو قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهذا خطاب للمؤمنين ؛ لأنه
__________________
(١) في ب : كولاية. وهو تحريف.
(٢) تعالى : سقط من ب.
(٣) في ب : يعفلون. وهو تحريف.
(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧١.
(٥) انظر البغوي ٥ / ٦١٤.
(٦) المرجع السابق.
(٧) في النسختين : والحكمة. وما أثبته من الفخر الرازي.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧١.
(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧٢ ـ ٧٣ ـ بتصرف يسير.