أي : أصاره إلى الفلاح ، فيكون «أفلح» مستعملا لازما ومتعديا (١).
وقرأ طلحة أيضا : «أفلح» بفتح الهمزة واللام وضم الحاء (٢) ، وتخريجها على أنّ الأصل أفلحوا المؤمنون ، بإلحاق علامة جمع قبل الفاعل كلغة : أكلوني البراغيث ، فيجيء فيها ما تقدم في قوله : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)(٣)(وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٤).
قال عيسى : سمعت طلحة يقرؤها فقلت له : أتلحن؟ قال : نعم كما لحن أصحابي (٥) ، يعني أني اتّبعتهم فيما قرأت به ، فإن لحنوا على سبيل فرض المحال ، فأنا لاحن تبعا لهم. وهذا يدل على شدة اعتناء القدماء بالنقل وضبطه خلافا لمن يغلّط الرواة.
وقال ابن عطية : وهي قراءة مردودة (٦). قال شهاب الدين : ولا أدري كيف يردّونها مع ثبوت مثلها في القرآن بإجماع (٧) ، وهما الآيتان المتقدمتان (٨). وقال الزمخشري : وعنه أي : عن طلحة ـ «أفلح» بضمة بغير واو اجتزاء (٩) بها عنها كقوله :
٣٧٨٠ ـ فلو أنّ الأطّبّا كان حولي (١٠)
وفيه نظر من حيث إن الواو لا تثبت في مثل هذا درجا ، لئلا يلتقي ساكنان فالحذف هنا لا بدّ منه ، فكيف يقول اجتزأ بها عنها (١١). وأما تنظيره بالبيت فليس بمطابق ، لأنّ حذفها من الآية ضروري ومن البيت ضرورة (١٢) ، وهذه الواو لا يظهر لفظها في الدرج بل يظهر في الوقف وفي الخط.
وقد اختلف النقلة لقراءة طلحة هل يثبت للواو صورة؟ ففي كتاب ابن خالويه مكتوبا بواو بعد الحاء (١٣) ، وفي اللوامح (١٤) : وحذفت الواو بعد الحاء لالتقائهما في الدرج ، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل (وَيَمْحُ (١٥) اللهُ الْباطِلَ)(١٦). قال شهاب الدين : ومثله
__________________
(١) البحر المحيط ٦ / ٣٩٥.
(٢) المختصر (٩٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٥.
(٣) [المائدة : ٧١].
(٤) [الأنبياء : ٣].
(٥) البحر المحيط ٦ / ٣٩٥. وقال أبو حيان تعقيبا على ذلك : يعني أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي ، وليس بلحن على لغة : أكلوني البراغيث. وقال الزمخشري : أو على الإبهام والتفسير. الكشاف ٣ / ٤٢.
(٦) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٠.
(٧) بإجماع : سقط من الأصل.
(٨) الدر المصون ٥ / ٨٢.
(٩) في الأصل : واجتزاء.
(١٠) الكشاف ٣ / ٤٢. صدر بيت من بحر الوافر وعجزه : وكان مع الأطباء الأساة. ولم يعزه أحد إلى قائل.
وقد تقدم.
(١١) في ب : عنها بها.
(١٢) عند من يعتبر ذلك الحذف ضرورة.
(١٣) المختصر (٩٧).
(١٤) هو كتاب أبي الفضل الرازي.
(١٥) في الأصل : فيمح. وهو تحريف.
(١٦) من قوله تعالى : «وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» [الشورى : ٢٤].
البحر المحيط ٦ / ٣٩٥. وسقطت الواو من «يمحو» لالتقاء الساكنين التبيان ٢ / ١١٣٢.