الثاني : أنّ انتقال الجنة إليهم من دون محاسبة ومعرفة بمقاديره يشبه انتقال المال إلى الوارث.
الثالث : أنّ الجنة كانت مسكن أبينا آدم ـ عليهالسلام ـ فإذا انتقلت إلى أولاده كان ذلك شبيها بالميراث. فإن قيل : كيف حكم على الموصوفين بالصفات السبعة بالفلاح مع أنه تعالى ما تمم ذكر العبادات الواجبة كالصوم والحج؟
فالجواب : أنّ قوله : (لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) يأتي على جميع الواجبات من الأفعال والتروك كما تقدم والطهارات (١) دخلت في جملة المحافظة على الصلوات (٢) لكونها من شرائطها (٣). واعلم أنّ قوله : (هُمُ الْوارِثُونَ) يفيد الحصر لكنه يجب ترك العمل به ، لأنه ثبت أنّ الجنة يدخلها الأطفال والمجانين والولدان والحور ، ويدخلها الفساق من أهل القبلة بعد العفو لقوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)(٤) ، وتقدم الكلام في الفردوس في سورة الكهف (٥). قوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) يجوز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالا مقدرة إما من الفاعل ب «يرثون» وإما من مفعوله إذ فيها ذكر كل منهما (٦) ومعنى الكلام لا يموتون ولا يخرجون ، وقد جاء في الحديث : «أن الله خلق ثلاثة أشياء بيده : خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده (٧) ، وغرس الفردوس بيده ، ثم قال: وعزتي لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث» (٨).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ(١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ)(١٦)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) الآيات لما أمر (٩) بالعبادات في
__________________
(١) في ب : فالطهارات.
(٢) في الأصل : الصلاة.
(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٢ ـ ٨٣.
(٤) من قول تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً» [النساء: ٤٨]. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٣.
(٥) عند قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً» [الكهف : ١٠٧]. وذكر ابن عادل هناك : والفردوس الجنة من الكرم خاصة. وقيل : ما كان غالبها كرما. وقيل : كل ما حوّط فهو فردوس ، والجمع فراديس ، قال المبرد : والفردوس فيما سمعت من العرب الشجر الملتف ، والأغلب عليه أن يكون من العنب ، وحكى الزجاج أنها الأودية التي تنبت ضروبا من النبت ، واختلف فيه فقيل : هو عربيّ ، وقيل : أعجميّ ، وقيل هو روميّ ، وقيل : فارسي ، وقيل : سرياني.
انظر اللباب ٥ / ٣٩٤.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٥.
(٧) بيده : سقط من ب.
(٨) الديوث من الرجال : القواد على أهله والذي لا يغار على أهله ولا يخجل المعجم الوسيط (ديث) ١ / ٣٠٧.
(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٤ ـ ٨٥.