وقال أمية بن أبي الصلت :
٣٧٨٣ ـ خلق البرية من سلالة منتن |
|
وإلى السلالة كلها ستعود (١) |
وقال عكرمة : هو الماء يسيل من الظهر. والعرب يسمون (٢) النطفة سلالة ، والولد سليلا وسلالة ، لأنهما مسلولان منه (٣). وقال الزمخشري : السلالة الخلاصة ، لأنها تسل من بين الكدر (٤). وهذه الجملة جواب قسم محذوف ، أي : والله لقد خلقنا ، وعطفت على الجملة قبلها لما بينهما من المناسبة ، وهو أنه لما ذكر أنّ المتصفين بتلك الأوصاف (٥) يرثون الفردوس فتضمن (٦) ذلك المعاد الأخروي ذكر النشأة الأولى ليستدل (٧) بها على المعاد (٨) ، فإنّ الابتداء في العادة أصعب من الإعادة ، لقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(٩).
وهذا أحسن من قول ابن عطية : هذا ابتداء كلام ، والواو في أوله عاطفة جملة كلام على جملة كلام ، وإن تباينتا في المعنى (١٠). وقد تقدم بيان وجه المناسبة.
قوله : «من طين» في «من» وجهان :
أحدهما : أنها لابتداء الغاية.
والثاني : أنها لبيان الجنس.
قال الزمخشري (١١) : فإن قلت : ما الفرق بين «من» و «من»؟ قلت : الأولى للابتداء ، والثانية للبيان كقوله : (مِنَ الْأَوْثانِ)(١٢)(١٣). قال أبو حيان : ولا تكون للبيان إلا إذا قلنا : إن السلالة هي الطين أما إذا قلنا : إنه من انسل (١٤) من الطين ف «من» (١٥) لابتداء الغاية (١٦) وفيما تتعلق به «من» هذه ثلاثة أوجه :
__________________
ـ الأديم : غليظ الجلد ، يعني أنه شديد قوي الجلد. الغضنفر : الغليظ من كل شيء ، والأسد سمي غضنفرا لكثافته وعظم هامته وأذنيه.
(١) البيت من بحر الكامل قاله أمية بن أبي الصلت وليس في ديوانه وهو في البحر المحيط ٦ / ٣٩٣.
(٢) في ب : تسمى.
(٣) البغوي ٦ / ٩.
(٤) الكشاف ٣ / ٤٤.
(٥) في ب : الصفات.
(٦) في ب : فضمن.
(٧) في ب : يستدل.
(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩٧.
(٩) من قوله تعالى : «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»[الروم : ٢٧].
(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٤.
(١١) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(١٢) من قوله تعالى : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» [الحج : ٣٠].
(١٣) الكشاف ٣ / ٤٤.
(١٤) في ب : النسل.
(١٥) في ب : من.
(١٦) البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.