أحدها : أنها تتعلق بمحذوف إذ هي صفة ل «سلالة» (١).
الثاني : أنها تتعلق بنفس (٢) «سلالة» لأنها بمعنى مسلولة (٣).
الثالث : أنها تتعلق ب «خلقنا» ، لأنها بدل من الأولى إذا قلنا : إنّ السلالة هي نفس الطين(٤). قوله : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً) في هذا الضمير قولان :
أحدهما : أنه يعود للإنسان ، فإن أريد غير آدم فواضح ، ويكون خلقه من سلالة الطين خلق أصله ، وهو آدم (فيكون على حذف مضاف وإن كان المراد به آدم ، فيكون الضمير عائدا على نسله ، أي : جعلنا نسله) (٥) ، فهو على حذف مضاف أيضا ، ويؤيده قوله : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ)(٦)(٧).
أو عاد الضمير على الإنسان اللائق به ذلك ، وهو نسل آدم ، فلفظ الإنسان من حيث هو صالح للأصل والفرع ، ويعود كل شيء لما يليق به وإليه نحا الزمخشري (٨).
قوله : (فِي قَرارٍ) يجوز أن يتعلق بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «نطفة».
والقرار : المستقر ، وهو موضع الاستقرار ، والمراد بها الرحم ، وصفت (٩) بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها لأحد معنيين (١٠) : إمّا على المجاز كطريق سائر ، وإنما السائر من فيه ، وإمّا لمكانتها في نفسها لأنها تمكنت بحيث هي وأحرزت (١١). ومعنى جعل الإنسان نطفة أنه خلق جوهر الإنسان أولا طينا ، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة في أصلاب الآباء فقذفه الصلب بالجماع إلى رحم المرأة ، فصار(١٢) الرحم قرارا مكينا لهذه النطفة (١٣) تتخلق فيه إلى أن تصير إنسانا. قوله : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) وما بعدها ضمن «خلق» (١٤) معنى «جعل» التصييرية فتعدت لاثنين كما يضمن «جعل» معنى «خلق» فيتعدى (١٥) لواحد نحو (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(١٦). والمعنى : حولنا النطفة عن صفاتها
__________________
(١) التبيان ٢ / ٩٥١.
(٢) في ب : به من. وهو تحريف.
(٣) التبيان ٢ / ٩٥١.
(٤) وعلى هذا الوجه تكون «من» لبيان الجنس.
(٥) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٦) [السجدة : ٧ ـ ٨].
(٧) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.
(٨) قال الزمخشري : (فإن قلت : ما معنى «جعلنا» الإنسان «نطفة»؟ قلت : معناه أنه خلق جوهر الإنسان أولا طينا ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة) الكشاف ٣ / ٤٤.
(٩) في الأصل : فوصفت.
(١٠) في ب : المعنيين.
(١١) انظر الكشاف ٣ / ٤٤ ، أحرزت : يقال : أحرزت الشيء أحرزه إحرازا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. اللسان (حرز).
(١٢) في الأصل : وصار.
(١٣) الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.
(١٤) في ب : يخلق.
(١٥) في ب : فيعدى.
(١٦) من قوله تعالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ» [الأنعام : ١].
انظر البيان ٢ / ١٨١ ، التبيان ٢ / ٩٥١.