عليه ، أي : أحسن الخالقين خلقا المقدرين تقديرا كقوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ)(١) أي : في القتال حذف المأذون فيه لدلالة الصلة عليه (٢).
فصل(٣)
قالت المعتزلة : لو لا أن يكون (٤) غير الله قد يكون خالقا لما جاز القول بأنه أحسن الخالقين ، كما لو لم يكن في عباده من يحكم ويرحم لم يجز أن يقال فيه : (أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ)(٥) و (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٦). والخلق في اللغة : هو كل فعل وجد من فاعله مقدّرا لا على سهو وغفلة ، والعباد قد يفعلون ذلك على هذا الوجه. قال الكعبي (٧) : هذه الآية وإن دلت على أن العبد خالق إلا أن اسم الخالق لا يطلق على العبد إلا مع القيد ، كما أنه (٨) يجوز أن يقال : ربّ الدار ، ولا يجوز أن يقول : رب ، ولا يقول العبد لسيده : هذا ربّي ، ولا يقال : إنما قال الله سبحانه (٩) ذلك (١٠) لأنه وصف عيسى ـ عليهالسلام (١١) ـ بأنه يخلق من الطّين كهيئة الطّير (١٢). لأنا نجيب من وجهين :
أحدهما : أن (١٣) ظاهر الآية يقتضي أنه سبحانه (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) الذين هم جمع فحمله على عيسى خاصة لا يصح.
الثاني (١٤) : أنه إذا صحّ وصف عيسى بأنه يخلق صحّ أنّ غيره سبحانه يخلق وصحّ (١٥) أيضا وصف غيره من المصورين بأنه يخلق.
وأجيب بأن هذه الآية معارضة بقوله (١٦) : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)(١٧) فوجب حمل
__________________
(١) من قوله تعالى : «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» [الحج : ٣٩].
(٢) انظر الكشاف ٣ / ٤٤.
(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٦ ـ ٨٧.
(٤) يكون : سقط من ب.
(٥) من قوله تعالى : «وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ» [هود : ٤٥].
(٦) [الأعراف : ١٥١] ، [يوسف : ٦٤ ـ ٩٢] ، [الأنبياء : ٨٣].
(٧) في ب : قال الكلبي.
(٨) في الأصل : كأنه.
(٩) في ب : قال تعالى.
(١٠) ذلك : سقط من ب.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) في قوله تعالى : «أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ» [آل عمران : ٤٩]. وقوله تعالى : «وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي» [المائدة : ١١٠].
(١٣) في ب : أنه. وهو تحريف.
(١٤) في ب : والثاني.
(١٥) في ب : ويصح.
(١٦) في الأصل : بقو. وفي ب يقولو. والصواب ما أثبته.
(١٧) من قوله تعالى : «قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ» [الرعد : ١٦]. وقوله تعالى : «اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» [الزمر : ٦٢].