و «للآكلين» صفة ، والمعنى : إدام للآكلين. فنبّه تعالى على إحسانه بهذه الشجرة ، لأنها تخرج الثمرة التي يكثر الانتفاع بها ، وهي طرية ومدخرة ، وبأن تعصر فيظهر الزيت منها ، ويعظم وجوه الانتفاعبه (١).
قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ)(٢٥)
قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) الآية ، لما ذكر النعم الحاصلة من الماء والنبات ، ذكر بعده النعم الحاصلة من الحيوان ، فذكر أنّ فيها عبرة مجملا ثم فصله من أربعة أوجه :
أحدها : قوله : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) المراد منه جميع وجوه الانتفاع ، ووجه الاعتبار فيه أنها تجتمع في الضروع ، وتخلص من بين الفرث والدم بإذن الله ـ تعالى ـ فتستحيل إلى طهارة ولون وطعم موافق للشهوة ، وتصير غذاء ، فمن استدل بذلك على قدرة الله وحكمته ، فهو من النعم الدينية ، ومن انتفع به فهو من النعم الدنيوية. وأيضا : فهذه الألبان التي تخرج من بطونها إذا ذبحت لم تجد لها أثرا ، وذلك دليل على عظم قدرة الله. وتقدم الكلام في «نسقيكم» في النحل (٢) وقرىء «تسقيكم» بالتاء من فوق مفتوحة (٣) ، أي : تسقيكم الأنعام.
وثانيها : قوله : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) أي : بالبيع ، والانتفاع بأثمانها.
وثالثها : قوله ـ تعالى (٤) ـ : (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي : كما تنتفعون بها وهي حيّة تنتفعون بها بعد الذبح بالأكل.
ورابعها : قوله : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أي : على الإبل في البر وعلى الفلك في البحر (٥) ، ولمّا بيّن دلائل التوحيد أردفها بالقصص كما هو العادة في سائر السور قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) الآيات. قيل : كان نوح (٦) اسمه يشكر ،
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩١.
(٢) عند قوله تعالى : «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ» [النحل : ٦٦].
(٣) وهي قراءة أبي جعفر. المحتسب ٢ / ٩٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٤٦ ، الإتحاف ٣١٨.
(٤) تعالى : سقط من الأصل.
(٥) انظر هذه الأوجه في الفخر الرازي ٢٣ / ٩١.
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٩٢.