بل المعنى الصحيح ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم (١) يعملون بشرائعها ، ومواعظها ، فذكر موسى والمراد آل موسى كما يقال : هاشم وثقيف. والمراد قومهم (٢).
قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٥٠)
قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) والمراد عيسى ـ عليهالسلام (٣) ـ وأمه «آية» دلالة على قدرتنا. ولم يقل آيتين قيل : معناه جعلنا شأنهما آية. وقيل المعنى كل واحد آية كقوله : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا)(٤) (٥). قال المفسرون : معنى كون عيسى وأمه آية أنه خلق من غير ذكر ، وأنطقه في المهد في الصغر ، وأجرى على يده إبراء الأكمه (٦) والأبرص (٧) ، وإحياء الموتى وأمّا مريم فلأنها حملت من غير ذكر (٨). وقال الحسن : تكلّمت مريم في صغرها كما تكلّم عيسى وهو قولها : (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٩) ، ولم تلقم ثديا قط (١٠). قال ابن الخطيب : والأقرب أن جعلهما آية هو نفس الولادة ، لأنه ولد من غير ذكر وولدته من دون ذكر فاشتركا جميعا في هذا الأمر العجيب الخارق للعادة ، ويدل على هذا وجهان :
الأول : قوله : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) لأن نفس المعجز ظهر منهما ، لا أنّه ظهر على يديهما ، لأنّ الولادة فيه وفيها (١١) بخلاف الآيات التي ظهرت على يده.
الثاني : قوله : (آيَةً) ولم يقل آيتين ، وحمل هذا اللفظ على الأمر الذي لا يتمّ إلا بمجموعهما أولى ، وذلك هو الولادة لا المعجزات التي كانت لعيسى (١٢).
قوله : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) «الرّبوة» و «الرّباوة» في رائهما (١٣) الحركات الثلاثة (١٤)(١٥) ، وهي الأرض المرتفعة.
__________________
(١) لعلهم : سقط من ب.
(٢) انظر الكشاف ٣ / ٤٩. بتصرف ، والفخر الرازي ٢٣ / ١٠٣.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) [الكهف : ٣٣].
(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٤ ، الكشاف ٣ / ٤٩.
(٦) الأكمه : الكمه في التفسير : العمى الذي يولد به الإنسان. كمه بصره ـ بالكسر ـ كمها وهو أكمه إذا اعترته ظلمة تطمس عليه. والأكمه: الذي يولد أعمى. اللسان (كمه.
(٧) البرص : داء معروف ، وهو بياض يقع في الجسد ، برص برصا ، والأنثى برصاء. ورجل أبرص ، وحيّة برصا : في جلدها لمع بياض ، وجمع الأبرص برص. اللسان (برص.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٣.
(٩) [آل عمران : ٣٧].
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٣.
(١١) في ب : فيها.
(١٢) الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٣ ـ ١٠٤.
(١٣) في النسختين : رائها.
(١٤) في ب : الثلاث.
(١٥) كلها لغات قرىء بها ، فقرأ عاصم وابن عامر «إِلى رَبْوَةٍ» فتحا وباقي السبعة «ربوة» ضما وقرأ ابن عباس ونصر عن عاصم بكسرها. وقرأ محمد بن إسحاق «رباوة» بضم الراء وبالألف ، وقرأ زيد بن ـ