وفي المعين قولان (١) :
أحدهما : أنّه مفعول ، لأنه لظهوره مدرك بالعين من عانه : إذا أدركه بعينه.
وقال الفراء (٢) والزجاج (٣) : إن شئت جعلته (فعيلا) من الماعون ، ويكون أصله من المعن (٤) والماعون فاعول منه. قال أبو علي : والمعين : السهل الذي ينقاد ولا يتعاصى ، والماعون ما سهل على معطيه. قالوا : وسبب الإيواء أنها فرّت بابنها عيسى إلى الربوة وبقيت بها اثنتي عشرة (٥) سنة ، وإنما ذهب بها ابن عمها يوسف ، ثم رجعت إلى أهلها بعدما مات ملكهم (٦).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ)(٥٦)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) الآية.
اعلم أنّ هذا خطاب مع (٧) كل الرسل ، وذلك غير ممكن ، لأنّ الرّسل إنّما أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة ، فلهذا تأوّلوه على وجوه :
فقيل : معناه الإعلام بأن كلّ رسول نودي في زمانه بهذا المعنى ، ووصي به ، ليعتقد السامع أن أمرا نودي له جميع الرسل ، ووصوا به ، حقيق أن يؤخذ ويعمل عليه.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة والسدي والكلبي وجماعة : أراد به محمدا ـ عليهالسلام (٨) ـ وحّده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة كقولك للواحد : أيّها القوم كفّوا عنّا أذاكم ولأنه ذكر ذلك بعد انقضاء أخبار الرسل. وقال ابن جرير (٩) : المراد عيسى ـ عليهالسلام (١٠) ـ لأنه إنما ذكر بعد ذكره مكانه الجامع للطعام والشراب ، ولأنه روي «أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام كان يأكل من غزل أمه»(١١).
__________________
(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٤.
(٢) قال الفراء : (وقوله : «ومعين» : الماء الجاري. ولك أن تجعل المعين مفعولا من العيون ، وأن تجعله فعيلا من الماعون ويكون أصله المعن) معاني القرآن ٢ / ٢٣٧.
(٣) قال الزجاج : (و «معين» ماء جار من العيون. وقال بعضهم : يجوز أن يكون فعيلا من المعن مشتقا من الماعون. وهذا بعيد ، لأن المعن في اللغة الشيء القليل ، والماعون هو الزكاة ، وهو فاعل من المعن) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٥.
(٤) في النسختين : المعين.
(٥) في النسختين : اثني عشر.
(٦) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٤.
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٥.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) جامع البيان ١٨ / ٢٢.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) انظر جامع البيان ١٨ / ٢٢ ، الدر المنثور ٥ / ١٠.