يسمرون (١) ، وكان عامة سمرهم (٢) ذكر القرآن ، وتسميته سحرا وشعائرا. أو للبيت شرفه الله ـ تعالى ـ كانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم ، كانوا يفتخرون به ، لأنهم ولا ته ، والقائمون به. قاله ابن عباس ومجاهد. وقيل الضمير في «به» للرسول ـ عليهالسلام (٣) ـ. أو للنكوص المدلول عليه ب «تنكصون» كقوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(٤). والباء في هذا كله للسببية ، لأنهم استكبروا بسبب القرآن لما تلي عليهم وبسبب البيت لأنهم كانوا يقولون نحن ولا ته ، وبالرسول لأنهم كانوا يقولون هو منا دون غيرنا وبالنكوص لأنه سبب الاستكبار (٥). وقيل : ضمن الاستكبار معنى التكذيب فلذلك عدي بالباء (٦) ، وهذا (٧) يتأتى على أن يكون الضمير للقرآن وللرسول.
وأما على الثاني وهو تعلقه ب «سامرا» فيجوز أن يكون الضمير عائدا على ما عاد عليه فيما تقدم إلا النكوص ، لأنهم كانوا يسمرون بالقرآن وبالرسول يجعلونهما حديثا لهم يخوضون في ذلك كما يسمر بالأحاديث وكانوا يسمرون في البيت فالباء ظرفية على هذا (٨) و «سامرا» نصب على الحال (٩) إما من فاعل «تنكصون» وإما من الضمير في (مستكبرين).
وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو حياة ويروى عن أبي عمرو : «سامرا» بضم الفاء وفتح العين مشددة (١٠). وزيد بن علي وأبو رجاء وابن عباس أيضا «سمارا» كذلك إلا أنه بزيادة ألف بين الميم والراء (١١) ، وكلاهما جمع لسامر ، وهما جمعان مقيسان لفاعل الصفة (١٢) نحو ضرب وضراب في ضارب ، والأفصح الإفراد ، لأنه يقع على ما فوق الواحد بلفظ الإفراد يقال : قوم سامر (١٣) ونظيره : (نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً)(١٤).
__________________
(١) في الأصل : يسمروا ، وفي ب : يسحرون.
(٢) في ب : سحرهم.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) للتقوى : سقط من الأصل. [المائدة : ٨].
(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٢ ـ ٤١٣.
(٦) انظر الكشاف ٣ / ٥١ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٢.
(٧) في الأصل : ولهذا.
(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.
(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٨ ، البيان ٢ / ١٨٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٨.
(١٠) المحتسب ٢ / ٩٦ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٨٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.
(١١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٨٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.
(١٢) وذلك أن (فعل) و (فعال) من أمثلة جموع الكثرة ، ويطردان في كل وصف على (فاعل) صحيح اللام نحو ضارب وصائم ، تقول في جمعهما ضرب وضراب ، وصوم وصوام. شرح الأشموني ٤ / ١٣٣.
(١٣) قال ابن جني عند توجيهه قراءة (سامرا) : السمر : جمع سامر ، والسامر : القوم يسمرون ، أي : يتحدثون ليلا ، وروينا عن قطرب أن السامر قد يكون واحدا وجماعة. المحتسب ٢ / ٩٦ ، وفي اللسان (سمر) : والسامر اسم للجمع كالجامل ، قال الأزهري : وقد جاءت حروف على لفظ فاعل ، وهي جمع عن العرب ، فمنها الجامل والسامر والباقر والحاضر والجامل للإبل ، ويكون فيها الذكور والإناث ، والسامر : الجماعة من الحي يسمرون ليلا ، والحاضر : الحمي النزول على الماء والباقر : البقر فيها الفحول والإناث.
(١٤) [الحج : ٥]. والتنظير بالآية على أن «طفلا» واحد في معنى الجمع التبيان ٢ / ٩٣٣.