وأصحابه (١) وقرأ زيد بن علي ، وابن محيصن ، وأبو نهيك بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم مشددة (٢) مضارع هجر بالتشديد ، وهو محتمل لأن يكون تضعيفا للهجر أو للهجر (أو للهجر (٣)) (٤) وقرأ ابن أبي عاصم كالعامة إلا أنه بالياء من تحت ، وهو التفات (٥).
قوله : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) أي : يتدبروا القول ، يعني ما جاءهم من القول وهو القرآن من حيث إنه كان مباينا لكلام العرب في الفصاحة ، ومبرأ من التناقض مع طوله ، فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومعرفة الصانع ، والوحدانية ، فيتركوا الباطل (٦) ، ويرجعوا إلى الحق (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) واعلم أن إقدامهم (٧) على كفرهم وجهلهم لا بد وأن يكون لأحد أمور أربعة :
الأول : أن لا يتأملوا دليل ثبوته ، وهو المراد من قوله : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) وهو القرآن يعني : أنه كان معروفا لهم.
والثاني : أن يعتقدوا أن مجيء الرسول على خلاف العادة ، وهو المراد من قوله : (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ) وذلك أنهم عرفوا بالتواتر مجيء الرسول إلى الأمم السالفة ، وكانت الأمم بين مصدق ناج وبين مكذب هالك ، أفما دعائهم (٨) ذلك إلى تصديق الرسل.
وقال بعضهم : «أم» هاهنا بمعنى «بل» والمعنى بل جاءهم ما لم يأت آباءهم (٩).
والثالث : أن لا يكونوا عالمين بديانته ، وحسن خصاله قبله ادعائه النبوة ، وهو المراد من قوله : (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) والمعنى : أنهم كانوا يعرفونه قبل أن يدعي الرسالة ، وكونه في نهاية الأمانة والصدق وغاية الفرار عن الكذب والأخلاق الذميمة ، وكانوا يسمونه الأمين ، فكيف كذبوه بعد أن اتفقت كلمتهم على تسميته بالأمين.
والرابع : أن يعتقدوا فيه الجنون ، فيقولوا إنما حمله على ادعاء الرسالة جنونه ، وهو المراد بقوله (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ). وهذا أيضا ظاهر الفساد ، لأنهم كانوا يعلمون بالضرورة أنه أعقل الناس ، فالمجنون كيف يمكنه أن يأتي بمثل ما أتى به من الدلائل القاطعة ، والشرائع الكاملة.
وفي كونهم سموه بذلك وجهان :
__________________
(١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٨١.
(٢) المختصر (٩٨) ، المحتسب ٢ / ٩٦ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.
(٣) المحتسب ٢ / ٩٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٨٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) البحر المحيط ٦ / ٤١٣.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٢.
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٢.
(٨) في ب : دعاوهم.
(٩) انظر القرطبي ١٢ / ١٣٩.