ولجة البحر لتردد (١) أمواجه ، ولجة الليل لتردد ظلامه. واللجلجة تردد الكلام ، وهو تكرير لج ، ويقال : لج والتج (٢). ومعنى الآية : لتمادوا في طغيانهم وضلالهم وهم متحيرون لم ينزعوا عنه (٣).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٨٠)
قوله : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) قال المفسرون : لما أسلم (٤) ثمامة بن أثال الحنفي ، ولحق باليمامة ، ومنع الميرة (٥) عن أهل مكة ، ودعا النبي صلىاللهعليهوسلم على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف ، فأصابهم القحط حتى أكلوا العلهز (٦) ، جاء أبو سفيان إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : أنشدك الله والرحم ، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال : «بلى». فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فادع الله يكشف عنا هذا القحط ، فدعا فكشف عنهم ، فأنزل الله هذه الآية (٧). والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا. وقال الأصم : العذاب هو ما نالهم يوم بدر من القتل والأسر (٨) يعني أن ذلك مع شدة ما دعائهم إلى الإيمان.
وقيل : المراد من عذب من الأمم الخالية. (فَمَا اسْتَكانُوا) أي : مشركو العرب (٩).
قوله : (فَمَا اسْتَكانُوا) تقدم وزن (استكان) في آل عمران (١٠).
وجاء الأول ماضيا والثاني مضارعا ، ولم يجيئا ماضيين ، ولا مضارعين ولا جاء الأول مضارعا والثاني ماضيا ، لإفادة الماضي وجود الفعل وتحققه ، وهو بالاستكانة أليق ، بخلاف التضرع فإنه أخبر عنهم بنفي ذلك في الاستقبائل وأما الاستكانة فقد توجد منهم.
__________________
(١) في ب : لترد.
(٢) فاللجلجة والتلجلج : التردد في الكلام. اللسان (لجج).
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٤.
(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٤ ـ ١١٥.
(٥) الميرة : الطعام يمتاره الإنسان. وقيل : جلب الطعام للبيع. اللسان (مير).
(٦) العلهز : وبر يخلط بدماء الحلم كانت العرب في الجاهلية تأكله في الجدب. اللسان (علهز).
(٧) انظر أسباب النزول للواحدي (٢٣٢).
(٨) في ب : والأسرا.
(٩) آخر ما نقله هنا عن الرازي ٢٣ / ١١٤ ـ ١١٥.
(١٠) عند قوله تعالى : «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ» [آل عمران : ١٤٦].