وأنه سبحانه ـ وإن أنعم بها ، فالمقصود منها الانتقال إلى دار الثواب (١). ثم قال : (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان ، ووجه النعمة بذلك معلوم. قال الفراء : جعلهما مختلفين (٢) يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض (٣). ثم قال : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) قرأ أبو عمرو في روآية يعقوب : بياء الغيبة على الالتفات (٤) والمعنى : ا فلا تعقلون ما ترون صنعه فتعتبرون.
قوله تعالى : (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٨٣)
قوله تعالى : (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) أي : كذبوا كما كذب الأولون (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) لمحشورون ، قالوا ذلك منكرين متعجبين.
واعلم أنه ـ سبحانه ـ لما أوضح دلائل التوحيد عقبه بذكر المعاد ، فذكر إنكارهم البعث مع وضوح أدلته ، وذكر أن إنكارهم ذلك تقليد للأولين ، وذلك يدل على فساد القول بالتقليد (٥) ثم حكى قولهم : (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ) كأنهم قالوا إن هذا الوعد كما وقع منه ـ عليهالسلام (٦) ـ فقد وقع قديما من سائر الأنبياء ثم لم يوجد مع طول العهد ، وظنوا أن الإعادة تكون في الدنيا ، ثم قالوا : لما لم يكن ذلك فهو من أساطير الأولين. والأساطير جمع أسطار ، وهي جمع سطر (٧) ، أي : ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له ، أو جمع أسطورة (٨).
قوله تعالى : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٨٨)
(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(٩٠)
قوله تعالى : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) الآية. اعلم أنه يمكن أن يكون المقصود
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) معاني القرآن ٢ / ٢٤٠.
(٣) انظر البغوي ٦ / ٣٣.
(٤) المختصر (٩٨) ، البحر المحيط ٦ / ٤١٨.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٦.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) أي : أن «أساطير» جمع الجمع. وجمع الجمع ـ سواء أكان جمع قلة أم كثرة ـ ليس قياسا على مذهب سيبويه ، ولا يجمع منها إلا ما جمع العرب ، وأيده السيرافي والجرمي وابن عصفور واختاره الرضي. ويرى كثير من النحاة أن جموع القلة يجوز جمعها قياسا لأنه قد ورد عن العرب منه قدر صالح للقياس عليه كالأيدي ، والأيادي ، والأسلحة والأسالح ، والأقاول والأقاويل.
الكتاب ٣ / ٦١٨ ـ ٦٢١ ، شرح الشافية ٢ / ٢٠٨ ـ ٢١٠ ، الهمع ٢ / ١٨٣ ـ ١٨٤.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٦.