لما أقام الدلائل على أن الإعادة في نفسها ممكنة ، وأنه سبحانه قادر على كل الممكنات وجب القطع بكونه قادرا على الإعادة وإذا ثبت الإمكان والصادق أخبر عن وقوعه ، فلا بد من القطع بوقوعه.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(١٠)
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) الآية ، جعل ابن عطية هذه الواو للحال ، فقال : وكأنه (١) يقول هذه الأمثال في غاية الوضوح ، ومن الناس مع ذلك من يجادل (فكان الواو واو الحال والآية المتقدمة الواو فيها واو عطف (٢).
قال أبو حيان : ولا يتخيل أن الواو في (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ)) (٣) واو حال ، وعلى تقدير الجملة التي قدرها قبله لو كان مصرحا بها فلا تتقدر ب (إذ) ، فلا تكون للحال ، وإنما هي للعطف (٤). قال شهاب الدين : ومنعه من تقديرها ب (إذ) فيه نظر ، إذ لو قدر لم يلزم منه محذور(٥).
قوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يجوز أن يتعلق ب «يجادل» ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل «يجادل» (٦) أي : يجادل ملتبسا بغير علم ، أي : جاهلا.
قوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ) : حال من فاعل «يجادل» أي : معرضا ، وهي إضافة لفظية (٧) نحو «ممطرنا» (٨). والعامة على كسر العين ، وهو الجانب (٩) كني به عن التكبر.
__________________
(١) في ب : وكأن.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٤.
(٣) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٤) البحر المحيط ٦ / ٣٥٤. الواو الداخلة على جملة الحال تسمى واو الحال ، والابتداء ، وليست عاطفة ولا أصلها العطف. وقدرها سيبويه والأقدمون ب «إذ» ، ولا يريدون أنها بمعنى (إذ) إذ لا يرادف الحرف الاسم بل إنها وما بعدها قيد للعامل السابق كما أن (إذ) كذلك. وزعم بعض المتأخرين أنها عاطفة كواو (ربّ) ، قال : وإلا لدخل العاطف عليها ، الهمع ١ / ٢٤٧ ، شرح الأشموني ٢ / ١٨٩.
(٥) الدر المصون : ٥ / ٦٥.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٣٤.
(٧) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢١٦ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١٤ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٢ ، البيان ٢ / ١٧٠ ، التبيان ٢ / ٩٣٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٤.
(٨) من قوله تعالى : «فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا» [الأحقاف : ٢٤].
والاستشهاد بالآية على أن الإضافة في «ممطرنا» إضافة لفظية ، فهي في تقدير الانفصال أي : ممطر إيانا ، فهو نكرة. التبيان ٢ / ١١٥٧.
(٩) في ب : الحال. وهو تحريف. وذلك أن العطف : المنكب ، وعطفا كل شيء : جانباه. اللسان (عطف).