حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ)
قوله تعالى (١) : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) الآية. لما قال سبحانه (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) ذكر ما يجري مجرى الجواب عنه وهو من وجهين الأول قولهم (٢) : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) قرأ الأخوان (٣) : «شقاوتنا» بفتح الشين وألف بعد القاف. والباقون بكسر الشين وسكون القاف (٤). وهما مصدران بمعنى واحد (٥) فالشقاوة كالقساوة ، وهي لغة فاشية ، والشقوة كالفطنة والنعمة ، وأنشد الفراء (٦) :
٣٨١٢ ـ كلف من عنائه وشقوته |
|
بنت ثماني عشرة من حجته (٧) |
وهي لغة الحجاز.
قال أبو مسلم : «الشقوة من الشقاء كجرية الماء ، والمصدر الجري ، وقد يجيء لفظ فعلة ، والمراد به الهيئة والحال فيقول : جلسة حسنة وركبة وقعدة ، وذلك من الهيئة ، وتقول : عاش فلان عيشة طيبة ، ومات ميتة كريمة ، وهذا هو الحال والهيئة ، فعلى هذا المراد من الشقوة حال الشقاء (٨). وقرأ قتادة والحسن في روآية كالأخوين إلا أنهما كسرا الشين (٩) ، وشبل (١٠) في اختياره كالباقين إلا أنه فتح الشين (١١).
__________________
(١) تعالى : سقط من الأصل.
(٢) في ب : قوله.
(٣) الأخوان : حمزة والكسائي.
(٤) السبعة (٤٤٨) ، الحجة لا بن خالويه (٢٥٨) ، الكشف ٢ / ١٣١ ، النشر ٢ / ٣٢٩ ، الإتحاف ٣٢٠.
(٥) شقي يشقى شقا وشقاء وشقاوة وشقوة وشقوة فهذه كلها مصادر للفعل شقي ، الكشف ٢ / ١٣١ التبيان ٢ / ٩٦١ ، اللسان (شقى).
(٦) قال الفراء : أنشدني أبو ثروان. معاني القرآن ٢ / ٢٤٢.
(٧) رجز قاله نفيع ين طارق ، وهو في المخصص ١٤ / ٧٢ ، ١٧ / ١٠٢ ، الإنصاف ١ / ٣٠٩ ، المقرب ٣٣٧ ، اللسان (شقا) المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٨ ، شرح التصريح ٢ / ٢٧٥ ، الهمع ٢ / ١٤٩ ، شرح الأشموني ٤ / ٧٢ ، الخزانة ٦ / ٤٣٠ ، الدرر ٢ / ٢٠٥ العناء : التعب والنصب الشقوة ـ بكسر الشين وسكون القاف ـ مصدر شقي ، وهو ضد السعادة ، ومثله الشقاوة وهو محل الشاهد هنا. الحجة ـ بكسر الحاء وتشديد الجيم مفتوحة ـ السنة.
واستدل الكوفيون بهذا البيت على جواز إضافة النيف إلى العشرة بدون إضافة عشرة إلى شيء.
والبصريون يردونه إلى الضرورة ، إذ لا معنى لهذه الإضافة ، لأنها إما بمعنى اللام أو من ، والنيف ليس للعشرة ولا منها بل هو زيادة عليها.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٥.
(٩) البحر المحيط ٦ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣.
(١٠) هو شبل بن عباد ، أبو داود المكي ، مقرى ثقة ضابط ، هو أجل أصحاب ابن كثير ، عرض على ابن كثير ، وعبد الله بن كثير ، وروى القراءة عنه عرضا إسماعيل القسط ، وابنه داود بن شبل ، وعكرمة بن سليمان ، وغيرهم ، مات سنة ١٤٨ ه. طبقات القراء ١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤.
(١١) البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.