قال الزمخشري : (غَلَبَتْ عَلَيْنا) ملكتنا من قولك غلبني فلان على كذا إذا أخذه منك (وامتلكه) (١) والشقاوة سوء العاقبة (٢).
فصل
قال الجبائي (٣) : المراد أن (٤) طلبنا اللذات المحرمة ، وخروجنا عن العمل الحسن ساقنا إلى هذه الشقاوة ، فأطلق اسم المسبب على السبب ، وليس هذا باعتذار فيه ، لأن علمهم بأن لا عذر لهم فيه ثابت عندهم ، ولكنه اعتراف بقيام الحجة عليهم في سوء صنيعهم.
وأجيب : بأنك حملت الشقاوة على طلب تلك اللذات المحرمة ، وطلب تلك اللذات حاصل باختيارهم أولا باختيارهم ، فإن حصل باختيارهم فذلك الاختيار محدث فإن استغنى عن المؤثر ، فلم لا يجوز في كل الحوادث ذلك؟ وحينئذ ينسد عليك باب إثبات الصانع ، وإن افتقر إلى محدث فمحدثه إما العبد أو الله ، فإن كان هو العبد فذلك باطل لوجوه :
أحدها : أن قدرة العبد صالحة للفعل والترك ، فإن توقف صدور تلك الإرادة عنه إلى مرجح آخر ، عاد الكلام فيه ، ولزم التسلسل ، وإن لم يتوقف على المرجح ، فقد جوزت رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، وذلك يسد باب إثبات الصانع.
وثانيها : أن العبد لا يعلم كمية تلك الأفعال ، ولا كيفيتها ، والجاهل بالشيء لا يكون محدثا له ، وإلا لبطلت دلالة الأحكام ، ولا يقال علم العلم.
وثالثها : أن أحدا في الدنيا لا يرضى بأن يختار الجهل ، بل لا يقصد إلا (ما قصد إيقاعه لكنه لم يقصد إلا) (٥) تحصيل العلم فكيف حصل الجهل فثبت أن الموجد للداعي والبواعث هو الله ، ثم إن الداعية إذا كانت سائقة إلى الخير كانت سعادة ، وإن كانت سائقة إلى الشر كانت شقاوة.
وقال القاضي : قولهم (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) دليل على أنه لا عذر لهم لا عترأ فهم ، فلو كان كفرهم من خلقه وإرادته ، وعلموا ذلك ، لكان ذكرهم ذلك أولى وأقرب إلى العذر.
والجواب : قد بينا أن الذي ذكروه ليس إلا ذلك ، ولكنهم مقرون أن لا عذر لهم فلا جرم قيل : (اخْسَؤُا فِيها)(٦).
والوجه (٧) الثاني لهم (٨) في الجواب : قولهم : (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) أي : عن الهدى ،
__________________
(١) وامتلكه : تكملة من الكشاف.
(٢) الكشاف ٣ / ٥٧.
(٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٥ ـ ١٢٦.
(٤) أن : سقط من ب.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) من الآية (١٠٨) من السورة نفسها.
(٧) في ب : والجواب. وهو تحريف.
(٨) لهم : سقط من ب.