النعت على المنعوت ، فصوابه أن يقول فانتصب حالا (١) هذا مذهب البصريين.
والثاني : أن «لبثتم» بمعنى : عددتم ، فيكون نصب «عددا» على المصدر و «سنين» بدل منه. قاله (٢) صاحب اللوامح (٣) أيضا. وفيه بعد لعدم دلالة اللبث على العدد.
والثالث : أنّ «عددا» تمييز ل «كم» و «سنين» بدل منه (٤).
فصل
الغرض (٥) من هذا السؤال التبكيت والتوبيخ ، لأنّهم كانوا ينكرون لبثا في الآخرة أصلا ، ولا يعدون اللبث إلّا في دار الدنيا ، ويظنون أنّ بعد الموت يدوم الفناء ولا إعادة. فلمّا حصلوا في النار ، وأيقنوا دوامها ، وخلودهم فيها سألهم (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ) منبّها لهم على ما ظنّوه دائما طويلا ، وهو يسير بالإضافة إلى ما أنكروه ، فحينئذ تحصل لهم الحسرة على ما كانوا يعتقدونه في الدنيا ، حيث تيقّنوا خلافه ، وهذا هو الغرض من السؤال فإن قيل : فكيف (٦) يصح أن يقولوا في جوابهم : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ولا يقع الكذب من أهل النار؟ فالجواب : لعلّهم نسوا لكثرة ما هم فيه من الأهوال ، وقد اعترفوا بهذا النسيان وقالوا : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ). قال ابن عباس : أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين.
وقيل : مرادهم بقولهم : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة إلى ما وقعوا فيه من العذاب (٧). وقيل : أرادوا أن لبثهم في الدنيا يوما أو بعض يوم من أيام الآخرة ، لأن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة.
فصل
اختلفوا في أنّ (٨) السؤال عن أيّ لبث؟ فقيل عن لبثهم أحياء في الدنيا ، فأجابوا بأنّ قدر لبثهم كان يسيرا بناء على أنّ الله أعلمهم أنّ الدنيا متاع قليل وأن الآخرة هي دار القرار.
وقيل : المراد اللبث في حال الموت ، لأنّ قوله : (فِي الْأَرْضِ) يفيد الكون في الأرض أي : في القبر ، والحيّ إنّما يقال فيه أنّه على الأرض. وهذا ضعيف لقوله : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)(٩) ، واستدلوا أيضا بقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ)(١٠)(١١) ثم قالوا : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي : الملائكة الذين يحفظون أعمال
__________________
(١) وذلك لامتناع جواز تقديم الصفة على الموصوف. لأنّ الصفة تجري مجرى الصلة في الإيضاح فلا يجوز تقديمها على الموصوف كما لا يجوز تقديم الصلة على الموصول ، وإذا لم يجز تقديمها صفة عدل إلى الحال. شرح المفصل ٢ / ٦٣ ـ ٦٤.
(٢) في النسختين : قال. والصواب ما أثبته.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ١٤٢٤.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٦١ ـ ٩٦٢.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٧.
(٦) في ب : كيف.
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٧.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٧ ـ ١٢٧.
(٩) [الأعراف : ٥٦ ، ٨٥].
(١٠) [الروم : ٥٥].
(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٧ ـ ١٢٨.