وقيل : معنى «أنزلناها» : أعطيناها الرسول ، كما يقول العبد إذا كلم (١) سيّده : رفعت إليه حاجتي ، كذلك يكون من السيد إلى العبد الإنزال ، قال الله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٢) (٣).
قوله تعالى (٤) : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) في رفعهما (٥) وجهان :
مذهب سيبويه : أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي : فيما يتلى عليكم حكم الزّانية ، ثم بيّن ذلك بقوله : «فاجلدوا» ... إلى آخره (٦).
والثاني وهو مذهب الأخفش وغيره : أنه مبتدأ ، والخبر جملة الأمر (٧) ، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط ، ولكون (٨) الألف واللام بمعنى الذي (٩) ، تقديره : من زنا فاجلده ، أو التي (١٠) زنت والذي زنا فاجلدوهما (١١) ، وتقدم الكلام على هذه المسألة في قوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما)(١٢) وعند قوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)(١٣) فأغنى عن إعادته (١٤).
وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبو جعفر وأبو شيبة ورويس (١٥)
__________________
(١) في ب : كلمة. وهو تحريف.
(٢) [فاطر : ١٠].
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٠.
(٤) تعالى : سقط من ب.
(٥) في ب : رفعها.
(٦) قال سيبويه : (وكذلك «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي» كأنه لما قال جل ثناؤه : «سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها» قال : في الفرائض الزانية والزاني ، أو الزانية والزاني في الفرائض ، ثم قال : «فاجلدوا» فجاء بالفعل بعد أن قضى فيهما الرفع) الكتاب ١ / ١٤٣.
وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٦ ، الكشاف ٣ / ٥٩ ، البيان ٢ / ١٩١ ، التبيان ٢ / ٩٦٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٧.
(٧) قال الأخفش : (وقد قرأها قوم نصبا إذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأول ، وهو في الأمر والنهي) معاني القرآن ١ / ٢٤٧. وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٦ ، الكشاف ٣ / ٥٩ ، البيان ٢ / ١٩١ ، التبيان ٢ / ٩٦٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٧.
(٨) في ب : هو أن. وهو تحريف.
(٩) في ب : بمعنى الألف الذي. وهو تحريف.
(١٠) في النسختين : الذي. والصواب ما أثبته.
(١١) تقدم الكلام على زيادة الفاء في خبر المبتدأ عند قوله تعالى : «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ» [مريم : ٦٥].
(١٢) [النساء : ١٦].
(١٣) [المائدة : ٣٨].
(١٤) ذكر هناك ما ذكره هنا وترتب على ذلك أنه على قول سيبويه ومن وافقه يكون الكلام جملتين الأولى خبرية والثانية أمرية ، والفاء للربط بينهما ، وعلى قول الأخفش الكلام جملة واحدة خبرية من مبتدأ وخبر. انظر اللباب ٣ / ٣٤ ، ٣٧ ، ٢٤٩.
(١٥) هو محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي البصري المعروف برويس مقرىء حاذق ضابط مشهور ، أخذ القراءة عن يعقوب الحضرمي ، وروى القراءة عنه محمد بن هارون التمار ، وغيره. مات سنة ٢٣٨ ه. طبقات القراء ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.