وقال بريدة الأسلمي (١) : كنا معشر أصحاب محمد نقول : لو لم يقر ما عز (أربع مرات) (٢) ما رجمه رسول الله.
وأيضا فكما لا يقبل في الشهادة على الزنا إلّا أربع شهادات ، فكذا في الإقرار.
وكما أن الزنا لا ينتفي إلّا بأربع شهادات في اللعان ، فلا يثبت إلا بالإقرار (٣) أربع مرات.
وأما البينة فأجمعوا على أنه لا بدّ من أربع شهادات لقوله تعالى (٤) : (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ) (٥) (٦).
فصل
قال بعض العلماء (٧) : لا خلاف أنه يجب على القاضي أن يمتنع عن القضاء بعلم نفسه ، كما إذا ادعى رجل على آخر (٨) حقا وأقام عليه بينة ، والقاضي يعلم أنه قد أبرأه ، أو ادعى أنه قتل أباه وقت كذا وقد رآه القاضي حيّا بعد ذلك ، أو ادعى نكاح امرأة وقد (٩) سمعه القاضي طلقها ، لا يجوز أن يقضي به ولو أقام عليه شهودا (١٠) وهل يجوز له أن يقضي بعلم نفسه مثل إن ادعى عليه ألفا وقد رآه القاضي أقرضه ، أو سمع المدعى عليه يقرّ به؟
فقال أبو يوسف ومحمد والمزني : يجوز له أن يقضي بعلمه ، لأنه لما جاز له أن يحكم بشهادة الشهود ، وهي إنما تفيد الظن ، فلأن يجوز (له) (١١) بما هو منه على علم أولى.
قال الشافعي : «أقضي بعلمي (١٢) ، وهو أقوى من شاهدين ، أو شاهد وامرأتين ، وهو أقوى من شاهد ويمين ، (وبشاهد ويمين) (١٣) وهو أقوى من (النكول (١٤)) (١٥) وردّ اليمين» (١٦) وقيل : لا يحكم بعلمه (١٧) لأن انتفاء التهمة شرط في القضاء ، ولم يوجد هذا في الأموال فأما العقوبات ، فإن كانت العقوبة من حقوق العباد كالقصاص وحدّ القذف فهو مثل المال ، إن قلنا لا يقضي فهاهنا أولى ، وإلا فقولان.
والفرق بينهما أن حقوق الله تعالى مبنية (١٨) على المساهلة والمسامحة ، ولا فرق
__________________
(١) هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي. روى عنه ابنه عبد الله مات سنة ٦٣ ه ، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ١٢١.
(٢) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٣) في ب : إقرار.
(٤) تعالى : سقط من ب.
(٥) [النساء : ١٥].
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤٣ ـ ١٤٤.
(٧) وهو الإمام محيي السنة في كتاب التهذيب. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤٣.
(٨) في ب : الآخر.
(٩) في ب : قد.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤٣.
(١١) له : سقط من الأصل.
(١٢) في ب : بعلمه.
(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٤) النكول في اليمين : هو الامتناع منها وترك الإقدام عليها.
(١٥) ما بين القوسين في ب : المشكوك. وهو تحريف.
(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤٣.
(١٧) وهو قول ابن أبي ليلى.
(١٨) في الأصل : مبنى.