واحتج الشافعي بأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رجم ماعزا والغامدية ولم يحضر رجمهما (١) وأما تسميته عذابا فإنه يدل على أنه عقوبة ، ويجوز أن يسمى عذابا لأنه يمنع المعاودة ، كما يسمى نكالا لذلك (٢).
قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٣)
قرأ أبو البرهسيم (٣) «وحرّم» مبنيا للفاعل مشددا (٤). وزيد بن علي (٥) «حرم» بزنة كرم (٦). واختلفوا في معنى الآية وحكمها :
فقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي ، ورواية العوفي عن ابن عباس : «قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن ، وهنّ يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب ناس من فقراء المسلمين في نكاحهن لينفقن عليهم ، فاستأذنوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فنزلت هذه الآية» وحرم على المؤمنين أن يتزوجوا تلك البغايا ، لأنهنّ كنّ مشركات (٧).
وقال عكرمة : نزلت في نساء بمكة (٨) والمدينة ، منهن تسع لهن رايات البيطار (٩) يعرفن بها منزلهن : أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي (١٠) ، وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة ، فأراد (١١) ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة ، فاستأذن رجل من المسلمين نبي الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في نكاح «أمّ مهزول» واشترطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله (١٢) هذه الآية (١٣).
فإن قيل : قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) ظاهره خبر وليس الأمر كذلك ، لأن الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة ، والزانية (١٤)
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤٨.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥٠.
(٣) هو عمران بن عثمان أبو البرهسيم الزبيدي الشامي صاحب القراءة الشاذة ، روى الحروف عنه شريح بن يزيد. طبقات القراء ١ / ٦٠٤ ـ ٦٠٥.
(٤) الكشاف ٣ / ٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٣١.
(٥) تقدم.
(٦) البحر المحيط ٦ / ٤٣١.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥١.
(٨) في ب : مكة.
(٩) أي : كرايات معالج الدواب.
(١٠) هو السائب بن صفيّ بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، القرشي المخزومي ، قال ابن عباس : إنّ السائب بن أبي السائب ممن هاجر مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأعطاه من غنائم حنين ، وهو من المؤلفة قلوبهم ، وممن حسن إسلامهم منهم.
أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ١ / ٩٣.
(١١) في ب : وأراد.
(١٢) في ب : الله تعالى.
(١٣) انظر أسباب النزول للواحدي (٣٣٣).
(١٤) في ب : فالزانية.