دينه ، وذلك الفتنة ، فأنزل الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ)(١). قال أكثر المفسرين : أي : على شك ، وأصله من حرف الشيء ، وهو طرفه (٢). وقيل : على انحراف ، أو على طرف الدين لا في وسطه كالذي يكون في طرف العسكر إن رأى خيرا ثبت وإلا فرّ (٣). و (عَلى حَرْفٍ) حال من فاعل «يعبد» أي : متزلزلا (٤).
ومعنى (عَلى حَرْفٍ) أي على شك أو على انحراف أو على طرف الدين لا في وسطه.
فصل
لما بين (٥) حال المظهرين للشرك المجادلين فيه أعقبه بذكر المنافقين فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) ، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة ، كالذي يكون على طرف العسكر ، فإن أحسن بغنيمة قرّ وإلا فرّ ، وهذا هو المراد بقوله (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ(٦) اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ)(٧).
قال الحسن : هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه ، (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) صحة في جسمه وسعة في معيشته (اطْمَأَنَّ بِهِ) وسكن إليه ، (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) بلاء في جسده وضيق في معيشته (٨)(انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) ارتد ورجع إلى ما كان عليه من الكفر (٩).
فصل
ذكروا في السبب وجوها :
الأول : ما تقدم (١٠).
والثاني : قال الضحاك : نزلت في المؤلفة قلوبهم منهم عيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس ، قال بعضهم لبعض ندخل في دين محمد فإن أصابنا خير (١١) عرفنا أنه حق ، وإن كان غير ذلك عرفنا أنه باطل (١٢).
الثالث : قال أبو سعيد الخدري : أسلم رجل من اليهود ، فذهب بصره وماله وولده (١٣) ، فقال: يا رسول الله أقلني فإني ما أصبت من ديني هذا خيرا ذهب بصري
__________________
(١) انظر البغوي ٥ / ٥٥٧ ـ ٥٥٨ ، أسباب النزول للواحدي (٢٢٧ ـ ٢٢٨) ، الفخر الرازي ٢٣ / ٤.
(٢) انظر البغوي ٥ / ٥٥٨.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٤.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٤.
(٦) في ب : خيرا. وهو تحريف.
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٤.
(٨) في ب : معيشة.
(٩) انظر البغوي ٥ / ٥٥٨.
(١٠) هو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وقتادة.
(١١) في الأصل : خيرا.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤.
(١٣) في ب : ولده.