وقالوا : الاستثناء يرجع إلى الكل.
وعامة العلماء (١) على أنه لا يسقط بالتوبة إلا أن يعفو عنه المقذوف فيسقط كالقصاص يسقط بالعفو ولا يسقط بالتوبة.
فإن قيل : إذا قبلتم شهادته بعد التوبة فما معنى قوله : «أبدا» (٢)؟
قيل : معناه : لا تقبل شهادته أبدا ما دام مصرّا على قذفه ، لأن أبد كل إنسان على ما يليق بحاله ، كما يقال : لا تقبل شهادة الكافر أبدا ، يراد : ما دام كافرا (٣).
فصل
اختلفوا في كيفية التوبة بعد القذف :
فقيل : التوبة منه إكذابه نفسه بأن يقول : كذبت فلا أعود إلى مثله.
وقيل : لا يقول كذبت ، لأنه ربما يكون صادقا ، فيكون قوله : «كذبت» كذبا ، والكذب معصية ، وإتيان المعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى ، بل يقول : القذف باطل ، ندمت على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه (٤). ولا بد من مضي مدة عليه بعد التوبة يحسن حاله فيها حتى تقبل شهادته ، وقدر تلك المدة سنة حتى يمر عليه الفصول الأربعة التي تتغير فيها الأحوال والطباع كأجل العنّين(٥) ، وقد علق الشرع أحكاما بالنسبة من الزكاة والجزية وغيرهما (٦) ، وهذا معنى قوله : «وأصلحوا»(٧) ، ثم قال : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي يقبل التوبة.
لما ذكر أحكام قذف الأجنبيات عقبه بأحكام قذف الزوجات.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)(١٠)
قال ابن عباس (٨) : لما نزل قوله (٩) : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
__________________
(١) العلماء : سقط من ب.
(٢) قال الراغب : (الأبد : عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان ؛ وذلك أنه يقال : زمان كذا ، ولا يقال أبد كذا .. ويعبر به عما يبقى مدة طويلة) مفردات غريب القرآن (٨).
(٣) انظر البغوي ٦ / ٥٧ ـ ٥٨.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦٤.
(٥) العنين : الذي لا يأتي النساء ، ولا يريدهنّ بيّن العنانة والعنينة والعنينيّة ، وعنّن عن امرأته إذا حكم القاضي عليه بذلك ، أو منع عنها بالسحر والاسم منه العنة ، كأنه اعترضه ما يحبسه عن النساء ، وامرأة عنينة كذلك ، لا تريد الرجال ولا تشتهيهم ، وهو فعيل بمعنى مفعول مثل خريج. اللسان (عنن).
(٦) في ب : وغير ذلك.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦٤.
(٨) في ب : قال ابن عباس رضي الله عنهما.
(٩) في ب : قوله تعالى.