ومالي وولدي. فقال عليهالسلام (١) : «إن الإسلام لا يقال ، إن الإسلام يسبك كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة» ونزلت هذه الآية (٢). وهاهنا إشكال ، وهو أن المفسرين أجمعوا على أن هذه السور مكيّة إلا ست آيات ذكروها أولها (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) إلى قوله (صِراطِ الْحَمِيدِ)(٣) ولم يعدوا هذه الوقائع (التي ذكروها في سبب نزول هذه الآية مع أنهم يقولون (٤) إن هذه الوقائع) (٥) إنما كانت بالمدينة كما تقدم النقل عنهم. فإن قيل : كيف قال : (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ) والخير أيضا فتنة ، لأنه امتحان. قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(٦).
فالجواب : مثل هذا كثير في اللغة ، لأن النعمة بلاء وابتلاء قال تعالى (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ)(٧) ولكن إنما يطابق اسم البلاء على ما يثقل على الطبع ، والمنافق ليس عنده الخير إلا (٨) الخير الدنيوي ، وليس عنده الشر إلا الشر الدنيوي ، لأنه لا دين له ؛ فلذلك وردت الآية على ما يعتقده (٩). فإن قيل : إذا كانت الآية في المنافق فما معنى (١٠) قوله (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) وهو في الحقيقة لم يسلم حتى ينقلب.
فالجواب (١١) أنه أظهر بلسانه خلاف ما كان أظهره ، فصار يذم الدين عند الشدة وكان من قبل يمدحه وذلك انقلاب على الحقيقة (١٢). فإن قيل : مقابل الخير هو الشر فلما قال (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) كان يجب أن يقول : وإن أصابه شرّ انقلب على وجهه (١٣).
فالجواب : لما كانت الشدة ليست بقبيحة لم يقل تعالى : وإن أصابه شرّ بل وصفه بما لا يفيد فيه القبح (١٤).
قوله : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) قرأ العامة «خسر» فعلا ماضيا ، وهو يحتمل ثلاثة أوجه :
الاستئناف (١٥) ، والحالية من فاعل «انقلب» (١٦) ، ولا حاجة إلى إضمار (قد) على الصحيح (١٧).
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) أخرجه ابن مردويه من طريق عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه. انظر أسباب النزول للواحدي (٢٢٨) ، الفخر الرازي ٢٣ / ١٤ ، الدر المنثور ٤ / ٣٤٦ ، والكافي الشافي (١١٢).
(٣) من الآية (١٩) إلى الآية (٢٤).
(٤) في ب : يقولوا. وهو تحريف.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) من قوله تعالى : «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ»[الأنبياء : ٣٥].
(٧) [الفجر : ١٥].
(٨) في الأصل : لأن. وهو تحريف.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤ ـ ١٥.
(١٠) معنى : تكملة من الفخر الرازي.
(١١) في ب : والجواب.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥.
(١٣) في ب : عانيه. وهو تحريف.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥.
(١٥) انظر التبيان ٢ / ٩٣٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٥.
(١٦) المرجعان السابقان.
(١٧) وذلك أن جملة الحال إذا كانت مصدرة بفعل ماض مثبت متصرف غير تال ل (إلا) ، أو متلو بأو ، ـ