وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسّلمي وعيسى بتخفيف «أن» و «غضب الله» بالرفع (١) على الابتداء ، والجار بعده خبره ، والجملة خبر «أن» (٢).
وقال ابن عطية : و (أن) الخفيفة على قراءة (نافع) (٣) في قوله : (أن غضب) قد وليها الفعل (٤). قال أبو علي : وأهل العربية يستقبحون أن يليها الفعل ، إلّا أن يفصل بينها وبينه بشيء ، نحو قوله : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ)(٥) ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ)(٦) ، فأما قوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ)(٧)(٨) فذلك لقلة تمكن (ليس) في الأفعال ، وأما قوله : (أن بورك من في النّار) (٩) و (بورك) في معنى الدعاء ، فلم يجىء دخول الفاعل لئلا يفسد المعنى (١٠) ، فظاهر هذا أن (غضب) ليس دعاء ، بل هو خبر عن (غضب الله عليها). والظاهر أنه دعاء كما أن (بورك) كذلك ، وليس المعنى على الإخبار فيهما فاعتراض أبي علي وأبي محمد (١١) ليس بمرضي (١٢).
قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ).
جواب : «لو لا» محذوف أي : لهلكتم أو لعاجلكم بالعقوبة (١٣) ، ولكنه ستر عليكم ورفع عنكم الحد باللعان ، (وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ) يعود على من يرجع عن المعاصي بالرحمة «حكيم» فيما فرض من الحدود.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١١)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) الآية.
في خبر «إنّ» وجهان :
أحدهما : أنه عصبة و «منكم» صفته. قال أبو البقاء : «وبه أفاد الخبر» (١٤).
والثاني : أن الخبر الجملة من قوله : «لا تحسبوه» ، ويكون «عصبة» ، بدلا من فاعل «جاءوا». قال ابن عطية : التقدير : إنّ فعل الذين ، وهذا أنسق في المعنى وأكثر فائدة من أن يكون «عصبة» خبر (إنّ) (١٥). كذا أورده عنه أبو حيان (١٦) غير معترض عليه ؛
__________________
(١) المحتسب ٢ / ١٠٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٤٢ ـ ٤٤٣.
(٢) المرجعان السابقان.
(٣) في النسختين : الرفع. والتصويب من تفسير ابن عطية.
(٤) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٤٤.
(٥) [المزمل : ٢٠].
(٦) [طه : ٨٩].
(٧) [النجم : ٣٩].
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) [النمل : ٨].
(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٤٤.
(١١) أي : ابن عطية.
(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٤.
(١٣) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٤٩ ، التبيان ٢ / ٩٦٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٥.
(١٤) التبيان ٢ / ٩٦٦.
(١٥) تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٥٢.
(١٦) البحر المحيط ٦ / ٤٣٦.