ذلك وتلا القرآن ، فلما نزل ضرب عبد الله بن أبيّ ومسطح وحسّان وحمنة الحد (١).
فصل
الإفك : أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وهو أسوأ الكذب. وسمي (٢) إفكا لكونه مصروفا عن الحق من قولهم (٣) : أفك الشيء : إذا قلبه عن وجهه. قيل : هو البهتان وأجمع المسلمون على أن المراد : ما أفك به على عائشة (٤).
وإنما وصف الله ذلك الكذب بكونه إفكا لكون المعروف من حال عائشة خلافه ، وذلك من وجوه :
الأوّل : أن كونها زوجة المعصوم يمنع من ذلك ، لأن الأنبياء مبعوثون إلى الكفار ليدعونهم ويستعطفونهم ، فيجب ألا يكون معهم ما ينفر عنهم ، وكون زوجة الإنسان مسافحة من أعظم المنفرات.
فإن قيل : كيف جاز أن تكون امرأة الرسول كافرة كامرأة نوح ولوط ، ولم يجز أن تكون فاجرة؟ وأيضا فلو لم يجز لكان الرسول أعرف الناس بامتناعه ولو عرف ذلك لما خاف ولما سأل عائشة عن كيفية الواقعة؟
فالجواب عن الأول : أن الكفر ليس من المنفرات بخلاف الفجور فإنه من المنفرات.
والجواب عن الثاني : أنه عليهالسلام (٥) كثيرا ما يكون (٦) يضيق قلبه من أقوال الكفار مع علمه بفساد ذلك ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ)(٧) فهذا من ذاك الباب.
الثاني : أن المعروف من عائشة قبل تلك الواقعة إنما هو الصون والبعد عن مقدمات الفجور ، ومن كان كذلك كان اللائق إحسان الظن به.
الثالث : أن القاذفين كانوا من المنافقين وأتباعهم ، وكلام المفتري ضرب من الهذيان (٨). فلمجموع هذه كان ذلك القول معلوم الفساد قبل نزول الوحي (٩).
__________________
(١) أخرجه الإمام البخاري (الشهادات حديث الإفك) ٢ / ١٠٣ ـ ١٠٦ ، (المغازي) ٣ / ٣٧ ـ ٤١ ، (التفسير) ٣ / ١٦٣ ـ ١٦٦ ، والإمام مسلم في صحيحه بشرح النووي (التوبة) ١٧ / ١٠٢ ـ ١١٦ ، والطبري ١٨ / ٧١ ـ ٧٤ ، وأسباب النزول للسيوطي ٢٣٥ ـ ٢٤٠ وهو في الفخر الرازي ٢٣ / ١٧٥ ـ ١٧٧ ، وابن كثير ٣ / ٢٦٨ ـ ٢٧١. أسباب النزول للسيوطي ١٤٠ ـ ١٤٢ ، الدر المنثور ٥ / ٢٥ وما بعدها.
(٢) وسمي : سقط من ب.
(٣) في ب : تقول.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٧٣.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) يكون : سقط من ب.
(٧) [الحجر : ٩٧].
(٨) الهذيان : كلام غير معقول مثل كلام المبرسم والمعتوه. هذى يهذي هذيا وهذيانا : تكلم بكلام غير معقول في مرض أو غيره. اللسان (هذى).
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٧٣ ـ ١٧٤.