قوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ)(١٢)
قوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) «لو لا» هذه تحضيضية ، أي : هلّا ، وذلك كثير في اللغة إذا كانت تلي الفعل كقوله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي)(١) وقوله : (فَلَوْ لا (٢) كانَتْ)(٣).
فأما إذا ولي الاسم فليس كذلك كقوله : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)(٤) ، (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ)(٥). و «إذ» منصوب ب «ظنّ» والتقدير : لو لا ظنّ المؤمنون بأنفسهم إذ سمعتموه. وفي هذا الكلام التفات. قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : لو لا إذ سمعتموه ، ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم ، ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر؟ قلت : ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات ، وليصرح بلفظ الإيمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض ألا يصدق (أحد قالة في أخيه ، وألا يظن بالمسلمين إلا خيرا) (٦).
وقوله (٧) : «ولم عدل عن الخطاب»؟ يعني في قوله : «وقالوا» فإنه كان الأصل : «وقلتم» ، فعدل عن هذا الخطاب إلى الغيبة في «وقالوا».
وقوله (٧) : «وعن الضمير» يعني أن الأصل كان «ظننتم» فعدل عن ضمير الخطاب إلى لفظ المؤمنين.
فصل
المعنى : هلّا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ) بإخوانهم «خيرا».
وقال الحسن : بأهل دينهم ، لأن المؤمنين كنفس واحدة ، كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(٨)(فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ)(٩) المعنى : بأمثالكم المؤمنين.
وقيل : جعل المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور ، فإذا جرى
__________________
(١) من قوله تعالى : «لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ» [المنافقون : ١٠].
(٢) في ب : فلو. وهو تحريف.
(٣) من قوله تعالى : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ» [يونس : ٩٨].
(٤) [سبأ : ٣١].
(٥) [النساء : ٨٣] ، [النور : ١٠ ، ١٤ ، ٢٠ ، ٢١]. وانظر ذلك في حروف المعاني للزجاجي (٣ ـ ٥) ، ومعاني الحروف للرماني (١٢٣ ـ ١٢٤) ، المغني (١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٦).
(٦) ما بين القوسين فيه اختلاف في ألفاظ الكشاف. انظر الكشاف ٣ / ٦٥.
(٧) الضمير في : وقوله ، للزمخشري.
(٧) الضمير في : وقوله ، للزمخشري.
(٨) [النساء : ٢٩].
(٩) من قوله تعالى : «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً» [النور : ٦١].
وانظر البغوي ٦ / ٧٩ ـ ٨٠.