بعدها ياء ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة (١) ، وهو مضارع «ولق» بكسر اللام ، كما قالوا : «تيجل» مضارع «وجل». وقوله : «بأفواهكم» كقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ)(٢) وقد تقدم.
فصل
اعلم أن الله تعالى وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام ، وعلق مس العذاب العظيم بها.
أحدها : تلقي الإفك (٣) بألسنتهم ، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل يقول له : ما وراءك؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر ، ولم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه. فكأنهم سعوا في إشاعة الفاحشة ، وذلك من العظائم (٤).
وثانيها : أنهم كانوا يتكلمون بما لا علم لهم به ، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم ، ونظيره : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٥).
وثالثها : أنهم كانوا يستصغرون ذلك ، وهو عظيمة من العظائم (٦).
وتدل الآية على أن القذف من الكبائر لقوله : (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) ، وتدل على أن الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه.
ونبه بقوله : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) على أن عمل المعصية لا يختلف بظن فاعله وحسبانه ، بل ربما كان ذلك مؤكدا لعظمه (٧).
فإن قيل : ما معنى قوله : «بأفواهكم» والقول لا يكون إلّا بالفم؟
فالجواب : معناه : أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب ، فيترجم عنه باللسان ، وهذا الإفك ليس إلا قولا يجري على ألسنتكم من غير أن يحصل في القلب علم به كقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ (٨) ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)(٩)» (١٠).
قوله تعالى : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ)(١٦)
قوله : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) كقوله : (لَوْ لا (١١) إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ) ولكن الالتفات فيه قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز الفصل بين (لو لا) و (قلتم) بالظرف؟ قلت :
__________________
(١) المختصر (١٠٠) ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٨.
(٢) [آل عمران : ١٦٧]. وذلك أن (الأفواه) جمع (فم) وأصله : (فوه) فلامه هاء بدليل جمعه على أفواه ، وتصغيره على فويه ، واختلف في وزنه فعند الخليل وسيبويه (فعل) بفتح الفاء وسكون العين ، وعند الفراء (فعل) بضم الفاء ، حذفوا لامه تخفيفا فصار آخره حرف علة فأبدلوه ميما فصار فم. شرح الأشموني ٤ / ٧٢.
(٣) في ب : الأول. وهو تحريف.
(٤) في ب : القطاعة. وهو تحريف.
(٥) [الإسراء : ٣٦].
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٠.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٠ ـ ١٨١.
(٨) في الأصل : بأفواههم. وهو تحريف.
(٩) [آل عمران : ١٦٧].
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٠.
(١١) في النسختين : ولو لا. والصواب ما أثبته.