للظروف شأن ليس لغيرها ، لأنها لا ينفك عنها ما يقع فيها ، فلذلك اتسع (١) فيها (٢).
قال أبو حيان : «وهذا يوهم اختصاص ذلك بالظروف ، وهو جائز في المفعول به ، تقول : لو لا زيدا ضربت ، ولو لا عمرا (٣) قتلت» (٤).
وقال الزمخشري أيضا : فإن قلت : أي فائدة في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلا؟ قلت : الفائدة فيه : بيان أنه كان الواجب عليهم أن يحترزوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به ، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب تقديمه. فإن قلت : ما معنى «يكون» والكلام (٥) بدون متلئب (٦) لو قيل : ما لنا أن نتكلم بهذا؟ قلت : معناه : ينبغي ويصح ، أي : ما ينبغي وما يصح كقوله : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ)(٧)(٨).
فصل (٩)
قوله : (وَلَوْ لا (١٠) إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ) هذا اللفظ هنا معناه التعجب (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) أي : كذب عظيم يبهت ويتحير من عظمته.
روي أن أم أيوب (١١) قالت لأبي أيوب الأنصاري (١٢) : أما بلغك ما يقول الناس في عائشة؟ فقال أبو أيوب : «سبحانك هذا بهتان عظيم» فنزلت الآية على وفق قوله (١٣).
قوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٨)
قوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ ...)(١٤) الآية وهذا من باب الزواجر ،
__________________
(١) في النسختين : امتنع ، والصواب ما أثبته.
(٢) وقع تغيير في عبارة الزمخشري من قوله : (قلت : للظروف شأن) ، ونص العبارة : (قلت : للظروف شأن وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها ، وأنها لا تنفك عنها ، فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها) الكشاف ٣ / ٦٦.
(٣) في ب : عمروا. وهو تحريف.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٨.
(٥) في ب : الكلام.
(٦) المتلئبّ : المستقيم. اللسان (تلأب).
(٧) في ب : «ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ». [المائدة : ١١٦].
(٨) الكشاف ٣ / ٦٦.
(٩) فصل : سقط من ب.
(١٠) في النسختين : لو لا. وهو تحريف.
(١١) هي أم أيوب الأنصارية الخزرجية ، زوج أبي أيوب ، وهي بنت مقيس بن سعد بن امرىء القيس ، روت عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم. تهذيب التهذيب ١٢ / ٤٦٠.
(١٢) هو أبو أيوب الأنصاري خالد بن يزيد ، من أكابر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ نزل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في بيته في المدينة يوم الهجرة إلى أن تم بناء مسجد له. كان من رواة الحديث ، قاتل في أكثر الغزوات ، مات سنة ٥٢ ه. المعارف ٢٧٤ ، المنجد ١٤.
(١٣) انظر جامع البيان ١٨ / ٧٧ ، أسباب النزول للواحدي (٢٤٠) والفخر الرازي ٢٣ / ١٨٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٢٧٣ ، الدر المنثور ٥ / ٣٤.
(١٤) «لمثله» : سقط من ب.