في الصلاح في الدين ما يرضاه (تعالى) (١) سمي (٢) زكيا ، فلا يقال : زكى إلا إذا وجد زاكيا ، كما لا يقال لمن ترك الهدى : هداه الله مطلقا ، بل يقال : هداه الله فلم يهتد (٣). ودلت الآية على أن الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ، لأن التزكية كالتسويد والتحمير ، فكما أن التسويد يحصل السواد ، فكذا التزكية تحصل (٤) الزكاء في المحل (٥).
والمعتزلة حملوه هنا (٦) على فعل الإلطاف ، أو على الحكم بكون العبد زكيا ، وهو خلاف الظاهر ، ولأن الله تعالى قال : (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) علق التزكية على الفضل والرحمة ، وخلق الإلطاف واجبا فلا يكون معلقا بالفضل والرحمة ، وأما (٧) الحكم بكونه زكيا فذلك واجب ، لأنه لو لا الحكم له لكان كذبا (و) (٨) الكذب على الله محال ، فكيف يجوز تعليقه بالمشيئة؟ (٩).
فصل
قال ابن عباس في رواية عطاء : هذا خطاب للذين خاضوا في الإفك ، ومعناه : ما ظهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل (١٠) ، أي : ما قبل منكم توبة أحد أبدا ، (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي) يطهر (١١) «من يشاء» من الذنب بالرحمة والمغفرة (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : يسمع أقوالكم في القذف ، وأقوالكم في البراءة و «عليم» بما في قلوبهم من محبة إشاعة الفاحشة أو من كراهتها ، وإذا كان كذلك وجب الاحتراز عن معصيته (١٢).
قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٢)
قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) الآية.
يجوز أن يكون «يأتل» : «يفتعل» ، من الألية ، وهي الحلف (١٣) ، كقوله :
٣٨٢١ ـ وآلت حلفة لم تحلّل (١٤)
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) في ب : يقال. وهو تحريف.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦.
(٤) في ب : تحصيل.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦.
(٦) هنا : سقط من الأصل.
(٧) في ب : فأما.
(٨) و : سقط من الأصل.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧.
(١٠) انظر البغوي ٦ / ٨٣.
(١١) في ب : يظهر. وهو تصحيف.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٧.
(١٣) أي أن «يأتل» مضارع «ائتلى» من الألية وهو الحلف مجاز القرآن ٢ / ٦٥ ، التبيان ٢ / ١٦٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٠.
(١٤) جزء بيت من بحر الطويل قاله امرؤ القيس ، وهو من معلقته ، وتمامه :
ويوما على ظهر الكثيب تعذّرت |
|
عليّ وآلت حلفة لم تحلّل |
وهو في ديوانه (١٢) ، وشرح المعلقات السبع للزوزني (٩) ، السبع الطوال لابن الأنباري (٤٢) ، اللسان (حلل) ١ / ١٨٧ ، الدرر ١ / ١٦١.