وقيل : المراد كل أزواج الرسول برأهن (١) الله تعالى من هذا الإفك (٢) ، ثم قال : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يعني : براءة من الله. وقيل : العفو عن الذنوب. والرزق الكريم : الجنة.
قوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يجوز أن تكون جملة مستأنفة ، وأن تكون في محل رفع خبرا ثانيا (٣).
ويجوز أن يكون «لهم» خبر «أولئك» (و) (٤) «مغفرة» فاعله.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ)(٢٩)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) الآية.
لما ذكر حكم الرمي والقذف ذكر ما يليق به ، لأن أهل الإفك (إنما توصلوا) (٥) إلى بهتانهم لوجود الخلوة ، فصارت كأنها طريق التهمة ، فأوجب الله تعالى ألا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان والسلام ، لأن الدخول على غير هذا الوجه يوقع التهمة ، وفي ذلك من المضرة ما لا خفاءبه(٦).
قوله : «تستأنسوا» يجوز أن يكون من الاستئناس ، لأنّ الطارق يستوحش من أنه هل يؤذن له أو لا (٧)؟ فزال استيحاشه ، وهو رديف الاستئذان فوضع موضعه.
وقيل : من الإيناس ، وهو الإبصار ، أي : حتى تستكشفوا الحال (٨).
وفسره ابن عباس : «حتى تستأذنوا» وليست قراءة ، وما ينقل عنه أنه قال : «تستأنسوا» خطأ من الكاتب ، إنما هو (تستأذنوا فشيء مفترى عليه (٩).
وضعفه بعضهم (١٠) بأن هذا يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر ، ويقتضي
__________________
(١) في ب : براء من.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٦.
(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٦٨.
(٤) في ب : لهم.
(٥) ما بين القوسين مكرر في ب.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٧.
(٧) في ب : أم لا.
(٨) انظر الكشاف ٣ / ٦٩.
(٩) قال أبو حيان : (ومن روى عن ابن عباس أن قوله : «تستأنسوا» خطأ أو وهم من الكاتب ، وأنه قرأ «حتّى تستأذنوا» فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين ، وابن عباس بريء من هذا القول) البحر المحيط ٦ / ٤٤٥. وانظر المحتسب ٢ / ١٠٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٧٨ ـ ٤٨٠ ، الكشاف ١٠ / ٧٠ ، القرطبي ١٢ / ٢١٤.
(١٠) وهو ابن الخطيب في تفسيره. الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٧.