والجواب أن الله تعالى جعل الغاية الاستئناس (١) ، ولا يحصل إلا بعد الإذن.
وأيضا فإنّا علمنا بالنص أن الحكمة في الاستئذان ألا يدخل الإنسان على غيره بغير إذنه ، فإنّ ذلك مما يسوؤه ، وهذا المقصود لا يحصل إلا بعد الإذن.
وأيضا قوله : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ)(٢)) (٣) فمنع الدخول إلا مع الإذن ، فدل على أن الإذن شرط في إباحة الدخول في الآية الأولى.
وإذا ثبت هذا فنقول : لا بد من الإذن أو ما يقوم مقامه ، لقوله عليهالسلام (٤) «إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإنّ ذلك له إذن» (٥).
وقال بعضهم : إن من جرت العادة له بإباحة الدخول فهو غير محتاج إلى الاستئذان (٦). واعلم أن ظاهر الآية يقتضي قبول الإذن مطلقا سواء كان الآذن (٧) صبيا أو امرأة أو عبدا أو ذميا ، فإنه لا يعتبر في هذا الإذن صفات الشهادة ، وكذلك قبول إحضار (٨) هؤلاء في الهدايا ونحوها.
فصل
ويستأذن على المحارم ، لما روي أن رجلا سأل النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : «أأستأذن على أختي؟» فقال عليهالسلام (٩) : «نعم ، أتحب أن تراها عريانة؟» (١٠) وسأل رجل حذيفة : «أأستأذن على أختي؟» فقال : «إن لم تستأذن عليها رأيت ما يسوؤك». ولعموم قوله : «وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا» (١١) إلا أنّ ترك الاستئذان على المحارم وإن كان غير جائز أيسر لجواز النظر إلى شعرها وصدرها وساقها ونحوه (١٢).
فصل
إذا اطلع (١٣) إنسان في دار إنسان بغير إذنه ففقأ عينه فهي هدر ، لقوله عليهالسلام (١٤) : «من اطّلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه» (١٥).
__________________
(١) في ب : الاستئذان. وهو تحريف.
(٢) [النور : ٢٨].
(٣) ما بين القوسين في ب : في الآية الأولى «حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ».
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) أخرجه أبو داود (أدب) ٥ / ٣٧٦.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٩.
(٧) الآذن : سقط من ب.
(٨) في الأصل : إخبار.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (استئذان) ٢ / ٩٦٣ ، وفيه (أستأذن على أمّي).
(١١) [النور : ٥٩].
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٠.
(١٣) في ب : طلع.
(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٥) أخرجه مسلم (الآداب) ٣ / ١٦٩٩ ، الترمذي (استئذان) ٤ / ١٦٤ ، النسائي (قسامة) ٨ / ٦١ ، أبو داود ٥ / ٣٦٦ ، أحمد ٥ / ٢٦٦ ، ٣٨٥ ، ٤١٤.