وقال أبو بكر الرازي (١) : هذا الخبر ورد على خلاف قياس الأصول ، فإنه لا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامنا ، وكان عليه القصاص إن كان عامدا ، والأرش (٢) إن كان مخطئا ، والداخل قد اطّلع وزاد على الاطلاع ، فظاهر الحديث مخالف لما حصل عليه الاتفاق ، فإن صحّ فمعناه : من اطلع في دار قوم ونظر إلى حرمهم فمنع فلم يمتنع فذهب عينه في حال الممانعة فهي هدر ، فأما إذا لم يكن إلا النظر ولم يقع فيه ممانعة ولا نهي ثم جاء إنسان ففقأ عينه فهذا جان (٣) يلزمه حكم جنايته لظاهر قوله تعالى : (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلى قوله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)(٤).
وأجيب بأن التمسك بقوله : «العين بالعين» ضعيف ، لأنا أجمعنا على أن هذا النص مشروط بما إذا لم تكن العين مستحقة ، فإنه لو كانت مستحقة القصاص ، فلم قلت : إن من اطّلع في دار إنسان لم تكن عينه مستحقة؟
وأما قوله : إنه لو دخل لم يجز فقء عينه ، فكذا إذا نظر.
والفرق بينهما أنه إذا دخل ، علم القوم بدخوله عليهم ، فاحترزوا عنه وتستروا ، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين (٥) بذلك فيطلع منهم على ما لا يجوز الاطلاع عليه ، فلا يبعد في حكم الشرع أن يبالغ هنا في الزجر حسما لهذه المفسدة.
وأيضا فردّ حديث رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بهذا القدر من الكلام ليس جائزا (٦).
فصل
إذا عرض أمر في دار من حريق أو هجوم سارق ، أو ظهور منكر فهل يجب الاستئذان؟ فقيل : كل ذلك مستثنى بالدليل (٧).
فأما السلام فهو من سنة (٨) المسلمين التي أمروا بها ، وهو تحية أهل الجنة ، ومجلبة للمودة ، وناف للحقد والضغائن.
قال عليهالسلام (٩) : «لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله ، فحمد الله بإذن الله ، فقال له الله : يرحمك ربك يا آدم ، اذهب إلى هؤلاء الملائكة
__________________
(١) هو الحافظ محدث نيسابور أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار ، صاحب التصانيف ، روى عنه رفيقه أبو عبد الله بن الأخرم ، وأبو علي الحافظ ، وغيرهما ، مات سنة ٣١٥ ه. تذكره الحفاظ ٣ / ٧٨٨ ـ ٧٨٩.
(٢) الأرش : هو دية الجراحات.
(٣) في النسختين : جاني.
(٤) من قوله تعالى : «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» [المائدة : ٤٥].
(٥) عالمين : سقط من ب.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠١.
(٨) في ب : نه. وهو تحريف.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.